الباعثة على تأليف هذا الكتاب كما تقدم في خطبته والله أعلم.
[باب الراء المهملة]
[الراحلة:]
قال الجوهري: هي الناقة التي تصلح لأن ترحل، وكذلك الرحول ويقال الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى انتهى. والهاء فيها للمبالغة كالتي في داهية وراوية وعلّامة. وإنما سميت راحلة لأنها ترحل أي يشد عليها الرحل فهي فاعلة بمعنى مفعولة كقوله «١» تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
أي مرضية. وقد ورد فاعل بمعنى مفعول في عدة مواضع من القرآن العظيم. كقوله «٢» تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ
أي لا معصوم.
وكقوله «٣» تعالى: ماءٍ دافِقٍ
أي موفوق. وكقوله «٤» تعالى: حَرَماً آمِناً*
أي مأمونا. وفيه جاء أيضا مفعول بمعنى فاعل، كقوله «٥» تعالى: حِجاباً مَسْتُوراً
أي ساترا، وكانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا
«٦» أي آتيا. قال الحريري «٧» : وقد يكنى عن النعل بالراحلة، لأنها مطية القدم وإليها أشار الشاعر بقوله ملغزا:
رواحلنا ست ونحن ثلاثة ... نجنبهن الماء في كل مورد
روى البيهقي في الشعب، في أواخر الباب الخامس والخمسين، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من مشى عن راحلته عقبة فكأنما أعتق رقبة» . قال أبو أحمد: العقبة ستة أميال، وروى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة «٨» » . وقال البيهقي في سننه في باب إنصاف الخصمين في الدخول على القاضي والاستماع منهما والإنصاف لهما هذا الحديث يتأول على أن الناس في أحكام الدين سواء، لا فضل فيها الشريف على مشروف، ولا لرفيع على وضيع، كالإبل المائة لا يكون فيها راحلة، وهي الذلولة التي ترحل وتركب. وذكر قبله عن ابن سيرين أنه قال: كان أبو عبيدة بن حذيفة قاضيا، فدخل عليه رجل من الأشراف، وهو يستوقد نارا، فسأله حاجة، فقال له أبو عبيدة: أسألك أن تدخل أصبعك في هذه النار، قال سبحان الله. قال: أبخلت علي بإصبع من أصابعك أن تدخله في هذه النار، وتسألني إدخال جسمي كله في نار جهنم؟ وقال ابن قتيبة: الراحلة النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، وهي كاملة الأوصاف، فإذا كانت في ابل عرفت. قال: ومعنى الحديث أن الناس متساوون ليس لأحد منهم فضل في النسب بل هل أشباه كالإبل المائة. وقال الأزهري: الراحلة عند العرب، الجمل النجيب «٩» والناقة النجيبة.