فقلت للمرأة: والله ما علمت شيئا، ولا قالا لي شيئا! فقالت لي: بلى لن تريدي شيئا إلا كان. خذي هذا القمح فابذريه، فأخذته فبذرته. وقلت له: اطلع فطلع ثم قلت استحصد فاستحصد، ثم قلت: انطحن فانطحن، ثم قلت: انخبز فانخبز. فلما رأيت أني لا أقول شيئا إلا كان سقط في يدي فندمت، والله يا أم المؤمنين ما فعلت قط ولا أفعله أبدا. فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما دروا ما يقولون لها، وكلهم هاب أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا لها: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك. ثم قال الحاكم: صحيح انتهى.
قال هشام بن عروة، وهو راوي الحديث، عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنهم كانوا أي الصحابة رضي الله عنهم أهل ورع وخشية لله، وبعد من التكلف والجراءة على الله، فلذلك أمسكوا عن الفتيا لها ولو جاءتنا اليوم لوجدت الأمر بخلاف ذلك. قال بعض الحنابلة:
قلت: فقد بان بهذا أن السحر والإيمان لا يجتمعان في قلب، ولا يصير ساحرا وفي قلبه إيمان، فاعتبر بحال هذه المرأة المسكينة كيف ألقاها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء، في ورطة هلكة لا تجبر مصيبتها، وهذا دأب المعاصي تنكس الرؤوس وتوجب الحبوس، وتضاعف البؤس، ولقد أحسن القائل حيث قال:
إذا ما دعتك النفس يوما لحاجة ... وكان عليها للخلاف طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما ... هواها عدو والخلاف صديق
[تذنيب]
: للسحر حقيقة وتأثير وقيل لا، والصحيح أن الصواب الأول، دل عليه ظاهر القرآن والسنة. قال المازري: اختلف العلماء في القدر الذي يقع به السحر، ولهم فيه اضطراب، فقال بعضهم: لا يزيد تأثيره على قدر التفريق بين المرء وزوجه، لأن الله تعالى إنما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده، وتهويلا له في حقنا فلو وقع به أعظم منه لذكره، لأن المثل لا يضرب عند المبالغة، إلا بأعلى أحوال المذكور. ومذهب الأشعريين أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك، قال: وهذا هو الأصح، لأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما وقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى، ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها أولى من بعض، ولو ورد الشرع بقصوره عن مرتبة، لوجب المصير إليه.
ولكن لا يوجد شرع قاطع بوجوب الاقتصار على ما قال القائل الأول، وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا. فإن قيل: إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر، فبماذا يتميز عن النبي؟ فالجواب أن العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر، لكن النبي يتحدى الخلق بها، ويستعجزهم عن الاتيان بمثلها، ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة بها لتصديقه، فلو كان كاذبا لم تنخرق على يديه، ولو خرقها الله على يد كاذب لخرقها على يد المعارضين للأنبياء، وأما الولي والساحر فلا يتحديان الخلق، ولا يستدلان على نبوة، ولو ادعيا شيئا من ذلك، لم تنخرق العادة لهما.
وأما الفرق بين الولي والساحر، فمن وجهين أحدهما، وهو المشهور، اجماع المسلمين على أن