للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا من يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى مناط عروقها في نحرها ... والمخ في تلك العظام النحل «١»

امنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول «٢»

ونقل ابن خلكان عن بعض الفضلاء، أن الزمخشري أوصى أن تكتب هذه الأبيات على قبره. ويروي عوض امنن علي بتوبة كما قال بعضهم:

اغفر لعبد تاب من فرطاته ... ما كان منه في الزمان الأول

وفي تاريخ «٣» ابن خلكان وغيره أن الزمخشري كان يعتقد الاعتزال ويتظاهر به، وكان إذا استأذن على صاحب له بالدخول، يقول: أبو القاسم المعتزلي بالباب. وأول ما صنف من الكتب الكشاف فكتب في أول خطبته: الحمد لله الذي خلق القرآن فقيل له: إن تركته على هذه الهيئة، هجره الناس فغيره، وقال: الحمد لله الذي جعل القرآن وجعل عندهم بمعنى خلق. ويوجد في كثير من النسخ الحمد لله الذي أنزل القرآن وهو من إصلاح الناس لا من إصلاح المصنف فافهم. توفي الزمخشري ليلة عرفة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وقد تكلم في الإحياء في باب المحبة على خلق البعوضة وصفتها وما أودعه الله تعالى فيها من الأسرار.

[فائدة:]

رأيت في كتاب الدعاء للشيخ الإمام العلامة أبي بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي «٤» ، ويعرف بابن أبي رنده بالراء المهملة المفتوحة وتسكين النون، وهو إمام ورع أديب متقلل، وفاته بالأسكندرية سنة اثنتين وخمسمائة، عن مطرف بن عبد الله بن أبي مصعب المدني أنه قال: دخلت على المنصور فوجدته مغموما حزينا قد امتنع من الكلام، لفقد بعض أحبته فقال لي: يا مطرف طرقني من الهم ما لا يكشفه إلا الله الذي بلا به، فهل من دعاء أدعو به عسى يكشفه الله عني؟ فقلت: يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن ثابت عن عمر بن ثابت البصري قال:

دخلت في أذن رجل من أهل البصرة بعوضة حتى وصلت إلى صماخه فأنصبته وأسهرته ليله ونهاره، فقال له رجل من أصحاب الحسن البصري: يا هذا ادع بدعاء العلاء بن الحضرمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا به في المفازة وفي البحر فخلصه الله تعالى. فقال له الرجل: وما هو رحمك الله؟ فقال قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: بعث العلاء بن الحضرمي في جيش، كنت فيهم، إلى البحرين فسلكنا مفازة فعطشنا عطشا شديدا حتى خفنا الهلاك، فنزل العلاء وصلى ركعتين ثم قال: يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا، فجاءت سحابة كأنها جناح طائر، فقعقعت علينا وأمطرتنا حتى ملأنا الانية، وسقينا الركاب ثم انطلقنا حتى أتينا على خليج من البحر، ما خيض قبل ذلك اليوم، ولا خيض بعده، فلم نجد سفنا فصلى العلاء ركعتين، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>