للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشقى رجال ويشقى آخرون بهم ... ويسعد الله أقواما بأقوام

وليس رزق الفتى من فضل حيلته ... لكن حدود بأرزاق وأقسام

كالصيد يحرمه الرامي المجيد وقد ... يرمي فيحرزه من ليس بالرامي

[فائدة]

: في تاريخ ابن خلكان، لما قلد الرشيد الفضل بن يحيى خراسان، أقام بها مدة ثم وصل كتاب صاحب البريد ينهى، أن الفضل اشتغل بالصيد وإدمان اللذة، عن النظر في أمور الرعية فقال ليحيى: يا أبت اقرأ هذا الكتاب، واكتب إليه بما يردعه عنه، فكتب إليه يحيى كتابا «١» وكتب في أسفله هذه الأبيات:

انصب نهارا في طلاب العلا ... واصبر على فقد لقاء الحبيب

حتى إذا الليل أتى مقبلا ... واكتحلت بالغمض عين الرقيب

فبادر الليل بما تشتهي ... فإنما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمر عجيب

غطى عليه الليل أستاره ... فبات في لهو وعيش خصيب

ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كلّ عدو مريب

فلما ورد الكتاب على الفضل بن يحيى، لم يفارق المسجد نهارا.

قيل دخل الفضل على أبيه يحيى وهو يتبختر في مشيته، فكره يحيى ذلك منه، وقال: قالت الحكماء: البخل والجهل مع التواضع، أزين للرجل من السخاء والعلم مع الكبر، فيا لها من حسنة غطت على سيئتين عظيمتين، ويا لها من سيئة غطت على حسنتين كبيرتين! ولما كان الفضل ويحيى في محبسهما، سمعهما الموكل يوما وهما يضحكان ضحكا مفرطا، فأعلم الرشيد بذلك فبعث مسرورا يستعلم سبب ذلك، فجاءهما فسألهما وقال: يقول لكما أمير المؤمنين: ما هذا الاستخفاف بغضبي؟ فازدادا ضحكا! وقال يحيى: اشتهينا سكباجا فاحتلنا في شراء القدر واللحم والخل وغير ذلك، فلما فرغنا من طبخها وإحكامها، ذهب الفضل ينزلها فسقط قعر القدر، فوقع الضحك والتعجب مما كنا فيه، وما صرنا إليه. فلما أعلم مسرور الرشيد بذلك، بكى وأمر لهما بمائدة في كل يوم، وأذن لرجل مما يأنسان به، أن يدخل عليهما كل يوم، ويتغذى معهما ويحدثهما وينصرف.

ونقل «٢» أن الفضل كان كثير البر بأبيه، وكان أبوه يتأذى من استعمال الماء البارد، في زمن الشتاء، فلما كان في السجن، لم يقدرا على تسخين الماء، فكان الفضل يأخذ الابريق النحاس، وفيه الماء، فيضعه على بطنه زمانا لينكسر برده، بحرارة بطنه، حتى يستعمله أبوه بعد ذلك. وتوفي يحيى في السجن سنة ثلاث وتسعين ومائة. ولما بلغ الرشيد وفاته، قال: أمري قريب من أمره، فتوفي بعده بخمسة أشهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>