يكن يعدو، فإذا كان يعدو وجب قتله قطعا وإلا فوجهان: أحدهما يجب قتله، والثاني يجوز قتله، ويجوز إرساله وهو ظاهر نص الشافعي. فالوجهان في وجوب قتله، وأما اقتناؤه فلا يجوز بحال كما صرح به في شرح المهذب وغيره. وفي سنن أبي داود من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير واليهودي والمجوسي والمرأة الحائض، ويجزىء عنه إذا مروا بين يديه قذفه بحجر» . وفيه «١» أيضا من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٢» : «من باع الخمر فليشقص الخنازير» . قال الخطابي: معناه فليستحل أكلها. وقال في النهاية: معناه فليقطعها ويفصلها أعضاء كما تفصل الشاة إذا بيع لحمها. والمعنى: من استحل بيع الخمر فليستحل بيع الخنزير، فإنهما في التحريم سواء، وهذا لفظ أمر معناه النهي، تقديره من باع الخمر فليكن للخنازير قصابا. وجعله الزمخشري من كلام الشعبي.
[الأمثال:]
قالوا:«أطيش من عفر» . والعفر ولد الخنزير، والعفر أيضا الشيطان، والعفر أيضا العقرب، وقالوا:«أقبح من خنزير» . وقالوا:«أكرهه كراهة الخنازير الماء الموغر» . وأصله أن النصارى تغلي الماء للخنازير فتلقيها فيه لتنضج، فذلك هو الإيغار. قال أبو عبيد: ومنه قول الشاعر:
ولقد رأيت مكانهم فكرهتهم ... ككراهة الخنزير للإيغار
وقال ابن دريد: ألايغار أن يغلى الماء للخنازير فتسمط وهي حية.
[إشارة:]
ابن دريد هو محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر الأزدي البصري إمام عصره في اللغة والأدب والشعر، ومن جيد شعره المقصورة التي مدح بها الشاه بن ميكال وولده إسماعيل وعارضه فيها جماعة كثيرة من الشعراء، واعتنى بمقصورته جماعة من العلماء، فشرحوها. ومن تصانيفه الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة، قال بعض العلماء: ابن دريد أعلم الشعراء وأشعر العلماء، وعرض له في أواخر عمره فالج، فكان إذا دخل عليه الداخل ضج وتألم لدخوله وإن لم يصل إليه وسقي الترياق فبرىء منه ورجع إلى أسماع تلامذته ثم عاوده الفالج بعد حول، لغذاء ضار تناوله فكان يحرك يديه حركة ضعيفة، وبطل من محزمه إلى قدميه. قال تلميذه أبو علي: كنت أقول في نفسي إن الله تعالى عاقبه بقوله في المقصورة حين ذكر الدهر بقوله «٣» :
مارست من لوهوت الأفلاك ... من جوانب الجوّ عليه ما شكا
وعاش بهذه الحالة عامين وكان آخر كلامه «٤» :
فوا حزني إن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضي به الله صالح
ثم قبض. قال ابن دريد: سهرت ليلة فلما كان آخر الليل رأيت رجلا دخل علي في المنام فأخذ بعضادتي الباب وقال: أنشدني أحسن ما قلت في الخمر، فقلت: ما ترك أبو نواس لأحد