للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا، وهي سليجين وبينون وغمدان. ثم كان سليمان عليه السلام يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام يبتكر من الشأم إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشأم على الريح، وولدت له غلاما سماه داود فمات في حياته.

وبلقيس هي بنت شراحيل من نسل يعرب بن قحطان، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن قد ولده أربعون ملكا هو آخرهم، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفؤا لي وأبي أن يتزوج منهم، وأنه تزوج امرأة من الجن اسمها ريحانة بنت السكن، فولدت له بلقيس. ولم يكن له ولد غيرها. وقد جاء في الحديث ما يؤيد هذا، وهو قوله إن أحد أبوي بلقيس كان جنيا، فلما مات أبوها، طمعت في الملك، وطلبت من قومها أن يبايعوها، فأطاعها قوم وعصاها آخرون، وملكوا عليهم رجلا، وافترقوا فرقتين: كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن، ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته، حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته، ويفجر بهن، فأراد قومه خلعه، فلم يقدروا على ذلك، فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة، فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه فأجابها وقال: ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك، فقال: لا أرغب عنك وأنت كفء كريم، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم، فجمعهم فخطبها إليهم، فذكروا لها ذلك فقالت: أجبت، فزوجوها به، فلما زفت إليه ودخلت عليه، سقته الخمر حتى سكر وغلب على نفسه، ثم حزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها، وأمرت بنصب رأسه على باب دارها، فلما رأى الناس ذلك علموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها، فاجتمعوا إليها وملكوها عليهم.

وفي الحديث عن أبي بكرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى، قال «١» : «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري.

[تذنيب:]

اعلم أن الحكماء قد ذكروا أن للحمام والنورة منافع ومضار، فمن منافعه أنه يوسع المسام، ويستفرغ الفضول، ويحلل الرياح، ويحبس الطبيعة، من هيضة ورطوبة، وينظف البدن من الوسخ والعرق، ويذهب الحكة والجرب والاعياء، ويلين الجسد، ويجيد الهضم، ويعد البدن لاستعداد الغذاء، وينشط الأعضاء المتشنجة، وينضج النزلات والزكام، وينفع من حميات يوم والدق والربع والبلغمية بعد نضجها. قلت: إذا دبر ذلك طبيب حاذق.

ومن مضاره تسهيل صب الفضول إلى الأعضاء الضعيفة، ويرخي البدن ويضعف الحرارة الغريزية، والأعضاء العصبية ويضعف الباه، ووقته بعد الرياضة، وقبل الغذاء إلا المتخلخلي الأبدان الكثيري المرار، وإياك أن تدخل الحمام وتخرج منه بحميتك، وإذا أردت الخروج، فاخرج إلى المسلخ متدرجا، وأفرغ عليك ثوبا نظيفا مبخرا، واجتنب النساء يوما وليلة. وتكره المجامعة في الحمام لأنها تورث الاستسقاء وأمراضا رديئة. ويكره للانسان شرب الماء البارد عقب الطعام الحار والحلو والتعب والمجامعة والحمام والأكل، فإن ذلك مضر جدا، وأجود الحمامات القديمة الشاهقة العذبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>