للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين. قال: قلت ما فعل الله بعبد الوهاب الوراق «١» ؟ قال: تركته في بحر من نور، في زورق من نور، يزور ربه الملك الغفور. فقلت: فما فعل ببشر «٢» بن الحارث فقال لي: بخ بخ، ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الله جل جلاله، وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل جل جلاله مقبل عليه، وهو يقول:

كل يا من لم يأكل، واشرب يا من لم يشرب، وانعم يا من لم ينعم.

وفي سنة سبع وعشرين ومائتين احتجم المعتصم بسر من رأى، فحم ومات، وذلك لإثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول وهو ابن ثمان أو سبع وأربعين سنة. وكانت خلافته ثمان سنين وثمانية شهور وثمانية أيام، وهو الثامن من خلفاء بني العباسي. وخلف من الذهب ثمانية آلاف دينار، ومن الدراهم ثمانية عشر ألف درهم، ومن الخيل ثمانية آلاف فرس، ومثلها من الجمال والبغال، ومن المماليك ثمانية آلاف مملوك، وثمانية آلاف جارية، وكان يقال له الثماني لأجل ذلك.

وكان أميا وذلك إنه كان له مملوك صغير، يذهب معه إلى الكتاب فمات فقال له الرشيد:

مات مملوكك يا إبراهيم، فقال: استراح من الكتاب يا أمير المؤمنين، فقال: أو بلغ الكتاب منك إلى هذا الحد؟ اتركوا ولدي لا تعلموه. فكان أميا لذلك وكان أبيض أصهب اللحية، مربوعا وكان شجاعا مهيبا، قوي البدن إلى الغاية فتح الفتوحات الكبار مثل عمورية من أقصى بلاد الروم ودانت له الأمم، وكان فيه ظلم وعنف وبذلك أرهب الأعداد سامحه الله تعالى.

[خلافة هارون الواثق بالله]

ثم قام بالأمر بعده ابنه هارون الواثق بالله بويع له بالخلافة بسر من رأى يوم موت أبيه، ونفذت البيعة إلى بغداد، واستقر له الأمر ببغداد وغيرها. ولما ولي قتل أحمد بن نصر «٣» الخزاعي، على القول بخلق القرآن ونصب رأسه إلى الشرق، فدار إلى القبلة فأجلس رجلا معه رمح أو قصبة، فكان كلما دار الرأس إلى القبلة أداره إلى الشرق. وروي أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي ورحمني إلا أني كنت مهموما منذ ثلاث. قيل: ولم؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر علي مرتين فأعرض بوجهه الكريم عني، فغمني ذلك، فلما مر علي صلى الله عليه وسلم الثالثة، قلت له:

يا رسول الله ألست على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فما بالك تعرض عني بوجهك الكريم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حياء منك إذ قتلك رجل من أهل بيتي.

وقد رأيت حكاية تدل على أن الواثق رجع عن هذا الاعتقاد والامتحان، وذلك فيما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه في ترجمته قال: سمعت طاهر بن خلف يقول: سمعت محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله يقول: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس،

<<  <  ج: ص:  >  >>