للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم؟ قال ابن أبي دؤاد: نعم.

فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قد قدمت القول: إن أحمد يقل ويصغر ويضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم، فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ، فلما قطعوا قيده ضرب الشيخ بيده إلى القيد ليأخذه، فجذبه الحداد إليه فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه فأخذه الشيخ فوضعه في كمه، فقيل للشيخ: لم جاذبت عليه؟ فقال الشيخ: لأني نوبت أن أتقدم إلى من أوصي إليه، إذا أنا مت، أن يجعله بيني وبين كفني، حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة، وأقول: يا رب سل عبدك هذا لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخوتي بلا حق أوجب ذلك علي؟ وبكى الشيخ، وبكى الواثق، وبكيت.

ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله منه، فقال الشيخ، والله يا أمير المؤمنين قد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كنت رجلا من أهله.

فقال الواثق: لي إليك حاجة. فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت. فقال الواثق: تقيم قبلنا فتنفع بك فتياننا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم، أنفع لك من مقامي عندك. وأخبرك لم ذلك: أصير إلى أهلي وولدي، فأكف دعاءهم عليك، فقد خلفتهم على ذلك. فقال له الواثق أفتقبل منا صلة تستعين بها على دهرك؟ فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تحل لي، أنا عنها غني وذو ثروة. فقال له: أتسأل حاجة؟ قال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تخلي سبيلي إلى السفر الساعة، وتأذن لي. قال: قد أذنت لك. فسلم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: فقال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم، وأظن أن الواثق بالله، كان رجع عنها من ذلك الوقت، ولي فيها طرق أخرى، وفيها بعض المغايرة فلهذه وقد سبق في ترجمة الواثق ما يدل على رجوعه والله تعالى أعلم.

[خلافة أبي القاسم أحمد المعتمد على الله بن المتوكل]

ثم قام بالأمر بعده ابن عمه أحمد، المعتمد على الله بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله.

بويع له بالخلافة يوم قتل ابن عمه المهتدي بالله بسر من رأى، وكان له إسم الخلافة ولأخيه الموفق بن المتوكل تدبير الملك ولما مات الموفق، قام بتدبير الملك بعده، ابنه أحمد المعتضد بن الموفق وغلب على عمه المعتمد كما كان أبوه غالبا عليه، فكان المعتمد يطلب الشيء الحقير فلا يناله ولم يكن له سوى الإسم فقال في ذلك:

أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قل ممتنعا عليه

وتؤخذ بإسمه الدنيا جميعا ... وما من ذاك شيء في يديه

قيل: إنه شرب يوما على الشط شرابا كثيرا فتغشى ومات. وقيل: إنه اغتم ومات وهو نائم

<<  <  ج: ص:  >  >>