للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دار في نفسك، أو أقول أنا ما دار في نفسي. أنه دار في نفسك. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما تعزم عليه وتأمر به، أطال الله بقاءك، فقال: كأني بك، وقد استحسنت ما رأيت منا فقلت: أي خليفة خليفتنا، إن لم يكن يقل القرآن مخلوق؟ فورد على قلبي أمر عظيم وأهمتني نفسي، ثم قلت: يا نفس هل تموتين إلا مرة؟ وهل تموتين قبل أجلك؟ وهل يجوز الكذب في جدّ أو هزل؟

فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت. ثم أطرق مليا وقال: ويحك اسمع مني ما أقول: فو الله لتسمعن الحق فسرّي عني. فقلت: يا سيدي من أولى بقول الحق منك، وأنت أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وابن عم سيد المرسلين، من الأوّلين والآخرين؟ فقال لي: ما زلت أقول القرآن مخلوق صدرا من خلافة الواثق حتى أقدم علينا أحمد بن أبي دؤاد شيخا من أهل الشام، من أهل أذنة، فأدخل الشيخ على الواثق مقيدا، وهو جميل الوجه، تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق له، فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه، فسلم الشيخ بأحسن السلام، ودعا بأبلغ الدعاء، وأوجز. فقال له الواثق: اجلس ثم قال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه، قال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن ابن أبي دؤاد يقل ويصغر ويضعف عن المناظرة، فغضب الواثق، وعاد مكان الرقة له غضبا، فقال: أبو عبد الله بن أبي دؤاد يقل ويصغر ويضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ: هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك، وائذن لي في مناظرته، فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة، فقال الشيخ: يا أحمد بن أبي دؤاد «١» إلام دعوت الناس ودعوتني إليه؟ فقال: إلى أن تقول القرآن مخلوق لأن كل شيء من دون الله مخلوق. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إني رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول. قال: افعل. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، أواجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله عز وجل هل ستر شيئا مما أمره الله به في دينه؟ قال: لا قال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى مقالتك هذه؟

فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ له: تكلم، فسكت. فالتفت الشيخ إلى الواثق، وقال: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن آخر ما أنزل الله من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً

«٢» فقال الشيخ: أكان الله تبارك وتعالى الصادق في اكمال دينه؟ أم أنت الصادق في نقصانه فلا يكون الدين كاملا، حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: أجب يا أحمد.

فلم يجب فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان. فقال الواثق. اثنتان فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، أعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم جهلها؟ فقال ابن أبي دؤاد: علمها. فقال الشيخ: أدعا الناس إليها فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث. فقال الواثق: ثلاث. فقال الشيخ: يا أحمد فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما زعمت، فلم يطالب أمته بها؟ قال: نعم فقال الشيخ: واتسع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>