للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حضن الدجاجة، يكون قليل الحسن، ناقص الخلق وناقص الجثة، ومدة حضنه ثلاثون يوما، وفرخه يخرج من البيضة كالفروج كاسيا كاسبا، وقد أحسن الشاعر في وصفه حيث قال:

سبحان من من خلقه الطاوس ... طير على أشكاله رئيس

كأنه في نقشه عروس ... في الريش منه ركّبت فلوس

تشرق في داراته شموس ... في الرأس منه شجر مغروس

كأنه بنفسج يميس ... أو هو زهر حرم يبيس

وأعجب الأمور أنه مع حسنه يتشاءم به، وكأن هذا، والله أعلم، أنه لما كان سببا لدخول إبليس الجنة، وخروج آدم منها، وسببا لخلو تلك الدار من آدم مدة دوام الدنيا، كرهت إقامته في الدور بسبب ذلك.

حكي أن آدم لما غرس الكرمة، جاء إبليس فذبح عليها طاوسا، فشربت دمه فلما طلعت أوراقها، ذبح عليها قردا فشربت دمه، فلما طلعت ثمرتها ذبح عليها أسدا فشربت دمه، فلما انتهت ثمرتها ذبح عليها خنزيرا فشربت دمه، فلهذا شارب الخمر تعتريه هذه الأوصاف الأربعة، وذلك أنه أول ما يشربها وتدب في أعضائه، يزهو لونه ويحسن كما يحسن الطاوس فإذا جاءت مبادي السكر لعب وصفق ورقص، كما يفعل القرد فإذا قوي سكره جاءت الصفة الأسدية، فيعبث ويعربد ويهذي بما لا فائدة فيه ثم يتقعص كما يتقعص الخنزير، ويطلب النوم وتنحل عراقوته.

[فائدة]

: طاوس بن كيسان فقيه اليمن كان اسمه ذكوان، فلقب بطاوس لأنه كان طاوس القراء والعلماء. وقيل: اسمه طاوس وكنيته أبو عبد الرحمن، كان رأسا في العلم والعمل، من سادات التابعين أدرك خمسين صحابيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع ابن عباس وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الزبير، وروى عنه مجاهد وعمرو بن دينار وعمرو بن شعيب، ومحمد بن شهاب الزهري وآخرون.

قال ابن الصلاح، في رحلته: روينا عن الزهري، أنه قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكة، قال: فمن خلفت بها يسود أهلها؟

قال: قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية. فقال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا الناس. قال:

فمن يسود أهل اليمن؟ قلت: طاوس بن كيسان، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. قال: فبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: من كان كذلك ينبغي أن يسود الناس.

قال: فمن يسود أهل مصر؟ قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت:

من الموالي. فقال: كما قال في الأولين. ثم قال: فمن يسود أهل الشأم؟ قلت: مكحول الدمشقي، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي عبد نوبي، أعتقته امرأة من هذيل.

فقال كما قال، ثم قال: فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قلت: من الموالي. فقال كما قال، ثم قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قلت: الضحاك

<<  <  ج: ص:  >  >>