للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيتا فاستلقيت فيه على ظهري، وجعلت رجلي على جداره، فلما كان غروب الشمس، سمعت صوتا لم أسمع مثله، فرعبت فقال لي رب البيت: لا تذعرن فإن هذا لا يضرك، هذا صوت قوم ينصرفون هذه الساعة من عند هذا السد، أفيسرك أن تراه؟ قلت: نعم. قال: فغدوت إليه، فإذا لبنه من حديد، كل واحدة مثل الصخرة، وإذا كأنه البرد المحبرة، وإذا المسامير مثل الجذوع فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «صفه لي» . فقلت: كأنه البرد المحبرة. فقال صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى رجل قد أتى الردم فلينظر إلى هذا» . فقال أبو بكرة: صدق انتهى.

وهذا الردم هو الذي بناه الاسكندر على يأجوج ومأجوج كما تقدم، وذلك أنه لما بلغ الجبلين وجد من دونهما قوما، كما قال «١» الله تعالى: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا

بفتح الياء والقاف أو يفقهون بفتح الياء وكسر القاف على اختلاف القراءتين، فعلى الأولى لا يفقهون عن أحد لغته ولا يعرفون غير لغتهم، وعلى الثانية لا يفهم لغتهم غيرهم، فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض، وذلك أنهم كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء المساكين، فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه.

وقيل: إنهم كانوا يلوطون، وقيل: إنهم كانوا يأكلون الناس، فقالوا له: نحن نجعل لك خرجا، أي جعلا من أموالنا، على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فرد عليهم جعلهم، وطلب منهم المعونة بالعمل بأبدانهم، ثم انصرف إلى ما بين الصدفين، فقاس ما بينهما فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ، فأمر بحفر الأساس حتى بلغ الماء، ثم جعل عرضه خمسين فرسخا، وجعل حشوه الصخر، وطبقه بالنحاس المذاب، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض.

وقيل إنه حشا ما بين الصدفين قطع الحديد، ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم ووضع المنافيخ، فلما حمي الحديد أفرغ عليه النحاس المذاب، فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلا صلدا من حديد وقطر، وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقا من نحاس أصفر، فصار كأنه بردة محبرة من صفرة النحاس وحمرته، وسواد الحديد، فلم يطيقوا الظهور عليه لملاسته ولا قدروا على نقبه لشدته وتماسكه. ومن وراء السد البحر، فهم بين السد والبحر محصورون وهم يمطرون التنانين في أيام الربيع، كما يمطرنا الغيث لحينه فيأكلونها إلى مثله من القابل وتعمهم على كثرتهم والله تعالى أعلم.

[اليامور:]

قال ابن سيده: هو جنس من الأوعال أو شبيه به له قرن واحد متشعب في وسط رأسه. وقال غيره: إنه الذكر من الأيل له قرنان كالمنشارين، أكثر أحواله تشبه أحوال البقر الوحشي يأوي إلى المواضع التي التفت أشجارها، وإذا شرب الماء ظهر به نشاط فيعدو ويلعب بين الأشجار، وربما ينشب قرناه في شعب الأشجار فلا يقدر على خلاصهما فيصيح، والناس، إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه وصادوه، وقد تقدم ما فيه. وهو حلال كالأيل، ومن خواص جلده أنه إذا جلس عليه صاحب البواسير زالت عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>