للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بيضة نمش ولمع والسبب في اختلاف ذلك لا يعرف، وداخله شيء كالصديد، وهو في جوفها منضد طولا على خط واحد، وليس للحيات سفاد يعرف، وإنما هو التواء بعضها على بعض ولسانها مشقوق فيظن بعض الناس أن لها لسانين. وتوصف بالنهم والشره، لأنها تبتلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد، ومن شأنها أنها إذا ابتلعت شيئا له عظم أتت شجرة أو نحوها، فتلتوي عليها التواء شديدا حتى يتكسر ذلك في جوفها. ومن عادتها أنها إذا نهشت انقلبت، فيتوهم بعض الناس أنها فعلت ذلك لتفرغ سمها، وليس كذلك. ومن شأنها أنها إذا لم تجد طعاما عاشت بالنسيم، وتقتات به الزمن الطويل، وتبلغ الجهد من الجوع فلا تأكل إلا لحم الشيء الحي وهي إذا كبرت، صغر جسمها واقتنعت بالنسيم، ولم تشته الطعام. ومن غريب أمرها، أنها لا تريد الماء ولا ترده إلا أنها لا تضبط نفسها عن الشرب، إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر. وربما كان السكر سبب هلاكها. والذكر لا يقيم بموضع واحد وإنما تقيم الأنثى على بيضها حتى تخرج فراخها، وتقوى على الكسب، ثم تخرج هي سائرة، فإن وجدت حجرا انسابت فيه، وعينها لا تدور في رأسها، بل كأنها مسمار مضروب في رأسها، وكذلك عين الجراد، وإذا قلعت عادت، وكذلك نابها إذا قلع عاد بعد ثلاثة أيام، وكذلك ذنبها إذا قطع نبت. ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها، وتتعجب من أمرها، وتحب اللبن حبا شديدا. وإذا ضربت بسوط مسه عرق الخيل، ماتت وتذبح فتبقى أياما لا تموت وقد تقدم أنها إذا عميت، أو خرجت من تحت الأرض، لا تبصر طلبت الرازيانج «١» الأخضر، فتحك به بصرها فتبصر، فسبحان من قدر فهدى، قدر عليها العمى وهداها إلى ما يزيله عنها، وليس شيء في الأرض مثل الحية إلا وجسم الحية أقوى منه، ولذلك إذا أدخلت صدرها في حجر أو صدع لم يستطع أقوى الناس إخراجها منه، وربما تقطعت ولا تخرج وليس لها قوائم، ولا أظفار تشبث بها وإنما قوي ظهرها، هذه القوة لكثرة أضلاعها، فإن لها ثلاثين ضلعا وإذا مشت مشت على بطنها، فتتدافع أجزاؤها وتسعى بذلك الدفع الشديد، والحيات في أصل الطبع مائية وتعيش في البحر، بعد أن كانت برية، وفي البر بعد أن كان بحرية. قال الجاحظ:

الحيات ثلاثة أنواع: نوع منها لا ينفع للسعته ترياق، ولا غيره كالثعبان، والأفعى والحية الهندية، ونوع منها ينفع في لسعته الدرياق وما كان سواهما مما يقتل فإنما يقتل بواسطة الفزع، كما حكي أن شخصا نام تحت شجرة، فتدلت عليه حية فعضت رأسه، فانتبه محمر الوجه، وحك رأسه وتلفت فلم ير أحدا فلم يرتب بشيء، ووضع رأسه ونام، فلما كان بعد ذلك بمدة، قال له بعض من رآها: هل علمت مم كان انتباهك تحت الشجرة؟ قال: لا، والله ما علمت. قال: إنما كان من حية تدلت عليك فعضت رأسك فلما قمت فزعا تقلصت ففزع فزعة فاضت فيها نفسه.

قال: فهم بزعمون أن الفزع هو الذي هيج السم وفتح مسام البدن، حتى مشى السم فيه انتهى.

[فائدة]

: في النصائح لابن ظفران خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، لما تحصن منه أهل الحيرة بالقصر الأبيض وغيره من حصونهم، نزل بالنجف وأرسل إليهم: إن ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم، فأرسلوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن نفيلة الغساني وكان من

<<  <  ج: ص:  >  >>