وفي الصحيحين، عن جابر وأبي هريرة وابن مسعود، رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «١» :
«ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله، إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان، يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه» . وفي رواية مسلم «يتبعه فاتحا فاه، فإذا أتاه فر منه، فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فإذا رأى أنه لا بد له منه سلك يده في فيه، فيقضمها قضمة الفحل، ثم يأخذ بلهزمتيه، يعني شدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ
» «٢» : والأقرع الذي تمعط رأسه وأبيض من السم. والزبيبتان الريشتان من جانبي فمه من كثرة السم ويكون مثلهما في شدقي الإنسان عند كثرة الكلام، وقيل نكتتان في عينيه، وما هو بهذه الصفة من الحيات، هو أشد أذى. وقيل هما نابان يخرجان من فيه ويقضمها بفتح الضاد أي يأكلها، والقضم بأطراف الأسنان والخضم بالفم كله، وقيل: القضم أكل اليابس والخضم أكل الرطب، وتزعم العرب أن الرجل إذا طال جوعه يعرض له في البطن حية يسمونها الشجاع والصفر. قال أبو خراش «٣» يخاطب امرأته:
أرد شجاع البطن لو تعلمينه ... وأوتر غيري من عيالك بالطعم
وأغتبق الماء القراح وأنثني ... إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
أراد بالأول الطعام، وبالثاني ما يشتهى منه، والغبوق الشرب بالعشي، والمزلج من الرجال الناقص الذوق الضعيف. وقال «٤» الشاعر:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمّما
هذه لغة بني الحارث بن كعب، وهي إبقاء ألف التثنية في حالتي النصب والخفض، وهو مذهب الكوفيين ومنه قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
«٥» .
[وتعبيره في الرؤيا]
يدل على ولد جسور، أو امرأة بازلة.
[الشحرور:]
كسحنون طائر أسود فوق العصفور، يصوت أصواتا، قاله ابن سيده وغيره، وما أحسن ما قال الشيخ العلامة علاء الدين الباجي، ووفاته سنة أربع عشرة وسبعمائة: (دو بيت)
بالبلبل والهزار والشحرور ... يكسى طربا قلب الشجي المغرور
فانهض عجلا وانهب من اللذة ما ... جادت كرما به يد المقدور
وقد أجاد القائل في وصفه حيث قال «٦» :
وروضة أزهرت أغصانها وشدت ... أطيارها وتولّت سقيها السحب