وفي آخر كتاب مناقب الشافعي رضي الله تعالى عنه، للحاكم أبي عبد الله، بإسناده إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: اختصم رجلان إلى بعض القضاة، في هرة ادعى كل منهما أنها له، وأن عنده أولادها، فحكم القاضي أن توسط بين داريهما ثم ترسل فأي دار دخلت فهي لصاحبها. قال الشافعي: فانجفل الناس، وانجفلت معهم، فلم تدخل الهرة دار واحد منهما. قال الشافعي: فبطل قضاؤه.
[غريبة]
: ذكر أن مروان الجعدي المنبوز بالحمار، آخر خلفاء بني أمية، لما ظهر السفاح بالكوفة، وبويع له بالخلافة، وجهز العساكر إليه، فانهزم منهم، حتى وصل إلى أبي صير، وهي قرية عند الفيوم.. قال: ما اسم هذه القرية؟ قيل: أبو صير. قال: فإلى الله المصير، ثم دخل الكنيسة التي بها، فبلغه أن خادما له نم عليه، فأمر به فقطع رأسه، وسل لسانه وألقي على الأرض، فجاءت هرة فأكلته. ثم بعد أيام، هجم على الكنيسة التي كان نازلا بها عامر بن إسماعيل، فخرج مروان من باب الكنيسة، وفي يده سيف، وقد أحاطت به الجنود، وخفقت حوله الطبول، فتمثل ببيت الحجاج بن الحكم السلمي وهو «١» :
متقلدين صفائحا هندية ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد
ثم قاتل حتى قتل، فأمر عامر برأسه فقطع في ذلك المكان، وسل لسانه وألقي على الأرض، فجاءت تلك الهرة بعينها فخطفته فأكلته. فقال عامر: لو لم يكن في الدنيا عجب إلا هذا، لكان كافيا، لسان مروان في فم هرة! وقال في ذلك شاعرهم:
قد يسّر الله مصرا عنوة لكم ... وأهلك الكافر الجبار إذ ظلما
فلاك مقوله هرّ يجر جرّه ... وكان ربّك من ذي الظلم منتقما
ودخل عامر بعد قتله الكنيسة، فقعد على فرش مروان، وكان مروان، حين الهجوم على الكنيسة، يتعشى، فلما سمع الوجبة، وثب عن عشائه، فأكل عامر ذلك الطعام، ودعا بابنة مروان، وكانت أسن بناته، فقالت: يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشه، وأقعدك عليه، حتى تعشيت بعشائه، واستصبحت بمصباحه، ونادمت ابنته، لقد أبلغ في موعظتك، وأجمل في إيقاظك.
فاستحيا عامر وصرفها وكان قتل مروان في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
[الحكم]
: يحرم أكل الهر على الصحيح، والثاني، وبه قال الليث بن سعد، يحل أكله.
واختاره أبو الحسن البوشنجي، وهو من أئمة أصحابنا، وهو حيوان طاهر لما روى الإمام أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب، ودعي إلى دار آخرين فلم يجب، فقيل له في ذلك، فقال «٢» : «إن في دار فلان كلبا» . فقيل له: وإن في دار فلان هرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «الهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين