إليك! فقال صلى الله عليه وسلم:«وتفعلين» ؟ قالت: عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل! فأطلقها فذهبت فأرضعت خشفيها ثم رجعت. فأوثقها. وانتبه الأعرابي فقال: ألك حاجة يا رسول الله؟
قال:«نعم تطلق هذه» ، فأطلقها. فخرجت تعدو وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وفي دلائل النبوة للبيهقي، عن أبي سعيد، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت: يا رسول الله حلني حتى أذهب فأرضع خشفي، ثم أرجع فتربطني فقال صلى الله عليه وسلم:«صيد قوم وربيطة قوم» ، فأخذ عليها فحلفت له فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتى إلى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له، فحلها، ثم قال صلى الله عليه وسلم:«لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا» وفي ذلك يقول صالح الشافعي من قصيدة له:
وجاء امرؤ قد صاد يوما غزالة ... لها ولد خشف تخلّف بالكذا
فنادت رسول الله والقوم حضر ... فأطلقها والقوم قد سمعوا النّدا
وسيأتي إن شاء الله تعالى، في العشراء بيتان آخران.
[الحكم]
: يحل أكلها بجميع أنواعها، ووقع لجماعة من الأصحاب أنهم قالوا: يجب على المحرم في قتل الظبي عنز. كذا قاله الإمام وارتضاه الرافعي وصوبه النووي. وهو وهم، فإن الظبي ذكر والعنز أنثى، فالصواب أن في الظبي ثنيا. وأما المسك فطاهر، وكذا فأرته في الأصح، لكن شرط طهارتها انفصالها حال حياة الظبية. وقيد المحاملي في كتاب اللباب المسك بالظبي، فقال: والمسك من الظبي طاهر، أي المسك المأخوذ من الظبي، احترز بذلك عن المسك التبتي المأخوذ من الفأرة الآتي ذكرها في باب الفاء إن شاء الله تعالى. وهو نجس ويستدل به على منع أكلها إذ لو كانت مأكولة، لالتحق مسكها بمسك الظبية. والطيبيون يسمون المسك التبتي المسك التركي، وهو عندهم أجود المسك، وأغلى ثمنا وينبغي التحرز من استعماله لنجاسته. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الفاء ما قاله الجاحظ في فأرة المسك.
ونقل الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، عن القفال الشاشي، أن فأرة المسك، يعني النافجة، تدبغ بما فيها من المسك فتطهر طهارة المدبوغات. وذكر بعض شراح غنية ابن سريج، أن الشعر الذي على فأرة المسك، يعني النافجة نجس بلا خلاف. لأن المسك يدبغ ما لاقاه من الجلد المحاذي له فيطهر، وما لم يلاقه من أطراف النافجة نجس. وهذا الذي قاله ظاهر إلا قوله إن شعرها نجس بلا خلاف، فليس بظاهر، لأن في طهارة الشعر تبعا للجلد المدبوغ خلافا عندنا.
وهي رواية الربيع الجيزي، عن الشافعي. واختاره السبكي وغيره، وصححه الأستاذ أبو اسحاق الاسفرايني والروياني وابن أبي عصرون وغيرهم كما تقدم في باب السين المهملة، في الكلام على السنجاب.
وذكر الأزرقي، في تعظيم صيد الحرم عن عبد العزيز بن أبي رواد، أن قوما انتهوا إلى ذي طوى ونزلوا بها، فإذا ظبي من ظباء الحرم قد دنا منهم، فأخذ رجل منهم بقائمة من قوائمه، فقال له أصحابه: ويلك أرسله، فجعل يضحك، وأبى أن يرسله فبعر الظبي وبال، ثم أرسله، فناموا