النار يهذب بهما أهلها بحيث لا يبرحان بها صار كأنهما ثوران عقيران لا يبرحان. كذلك ذكر ذلك أبو موسى وهو كما تراه. وقيل: إنما يجمعان في جهنم لأنهما عبدا من دون الله عزّ وجلّ ولا يكون لهما عذاب لأنهما جماد وإنما يفعل ذلك بهما زيادة على تبكيت الكافرين وخزيهم. وردّ ابن عباس قول كعب الأحبار، وقال: الله أجلّ وأكرم من أن يعذب الشمس والقمر، وإنما يخلقهما يوم القيامة أسودين مكوّرين، فإذا كانا حيال العرش خرّا ساجدين لله تعالى، ويقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا لك وسرعتنا في المضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا في عبادة الكافرين إيانا.
فيقول الرب تعالى: صدقتما إني قضيت على نفسي أن أبدىء وأعيد وأني أعيد كما إلى ما بدأتكما منه، وإني خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه فيختلطان بنور العرش. فذلك معنى قوله تعالى:
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ
«١» . وروى أبو نعيم في ترجمة سعيد بن جبير أنه قال: أهبط الله تعالى إلى آدم ثورا أحمر، فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه وهو الذي قال الله تعالى فيه: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى
«٢» فكان ذلك شقاءه وكان عليه السلام يقول لحواء: أنت عملت بي هذا فليس أحد من ولد آدم يعمل على ثور إلّا قال: حو دخلت عليه من قبل آدم. وكانت العرب إذا أوردوا البقر فلم تشرب إما لكدر الماء، أو لقلة العطش، ضربوا الثور فيقتحم الماء لأن البقرة تتبعه. وقال في ذلك أنس بن مدركة «٣» في قتله سليك ابن سلكة «٤» :
إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر «٥»
[الأمثال:]
قالوا «٦» : «الثور يحمي أنفه بروقه» والروق القرن. يضرب في الحث على حفظ الحريم. وفي سنن النسائي وسيرة ابن هشام، أما الصديق رضي الله تعالى عنه، لما قدم المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذته الحمى وعامر بن فهيرة وبلالا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: فدخلت عليهم، وهم في بيت واحد، فقلت: كيف أصبحت يا أبت؟ فقال:
كل امرء مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
فقلت إنّا لله وإنا إليه راجعون إن أبي ليهذي ثم قلت لعامر كيف تجدك؟ فقال:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... والمرء يأتي حتفه من فوقه
كل امرء مجاهد بطوقه ... كالثور يحمي أنفه بروقه
فقلت: والله هذا ما يدري ما يقول. ثم قلت لبلال: كيف أصبحت؟ فقال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفخ وحولي أذخر وجليل