فقال: من أنتم؟ قالوا: متوكلون، قال: كذبتم إنما المتوكلون رجل ألقى حبه في التراب، وتوكل على رب الأرباب. وبهذا أفتى بعض فقهاء بيت المقدس قديما. وقال الإمامان الرافعي والنووي، في تفضيل بعض الأكساب على بعض، واحتج من فضل الزراعة، بأنها أقرب إلى التوكل، وفي الشعب أيضا عن عمرو بن أمية الضمري، أنه قال: قلت: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل؟
قال صلى الله عليه وسلم:«إعقلها وتوكل»«١» وسيأتي إن شاء الله تعالى، هذا في أول باب النون.
وقال الحليمي: يستحب لكل من ألقى في الأرض بذرا أن يقرأ بعد الاستعاذة أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ
«٢» الآية. ثم يقول: بل الله الزارع والمنبت والمبلغ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارزقنا ثمره، وجنبنا ضرره، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين. وقال أبو ثور: سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم، ورفع قدره، فقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
«٣» وذلك أن الناس في التوكل، على أحوال شتى: متوكل على نفسه، أو على ماله، أو على جاهه، أو على سلطانه، أو على صناعته، أو على غلته، أو على الناس. وكل مستند إلى حي يموت، أو إلى ذاهب يوشك أن ينقطع، فنزه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمره أن يتوكل على الحي الذي لا يموت. وقال الإمام العلامة، شيخ الشريعة والحقيقة، أبو طالب المكي، في كتابه قوت القلوب: اعلم أن العلماء بالله تعالى لم يتوكلوا عليه لأجل أن يحفظ عليهم دنياهم، ولا لأجل تبليغهم رضاهم ومرادهم، ولم يشترطوا عليه حسن القضاء بما يحبون، ولا ليبدل لهم جريان أحكامه عما يكرهون، ولا ليغير لهم سابق مشيئته إلى ما يعقلون، ولا ليحول عنهم سنته التي قد خلت في عباده، من الابتلاء والامتحان والاختبار، بل هو جل وعلا أجل في قلوبهم من ذلك، وهم أعقل عنه وأعرف به من هذا، فلو اعتقد عارف بالله أحد هذه المعاني مع الله في توكله، لكان عليه كبيرة توجب عليه التوبة، وكان توكله معصية، وإنما أخذوا أنفسهم بالصبر على أحكامه كيف جرت وطالبوا قلوبهم بالرضا كيف أجرى.
[فائدة]
: عن كعب الأحبار، قال: إن الطير ترتفع اثني عشر ميلا، ولا ترتفع فوق هذا، وفوق الجو السكاك. والجو هو الهواء بين السماء والأرض.
[التعبير]
: الطائر في المنام رزق لمن حواه لقول الشاعر:
وما الرزق إلا طائر أعجب الورى ... فمدت له من كل فن حبائل
وسعادة ورياسة، وقيل: الطيور السود تدل على السيآت، والطيور البيض تدل على الحسنات. ومن رأى طيورا تنزل على مكان وترتفع، فإنها ملائكة ورؤية ما يستأنس بالإنسان من الطيور دليل على لأزواج والأولاد، ورؤية ما لا يأنس بالآدمي من الطير دليل على معاشرة الأضداد والأعجام. ورؤية الكاسر من الطير في المنام شر ونكد ومغارم، ورؤية الجارح المعلم عز وسلطان وفوائد وأرزاق. ورؤية المأكول لحمه فائدة سهلة، ورؤية ذوي الأصوات قوم صالحون، ورؤية المذكر رجال، والمؤنث نساء، ورؤية المجهول من الطير قوم غرباء، ورؤية ما فيه خير وشر