في رحلة ابن الصلاح، وتاريخ ابن النجار، في ترجمة يوسف بن علي بن محمد الزنجاني الفقيه الشافعي قال: حدثنا الشيخ أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله، عن القاضي الإمام أبي الطيب أنه قال: كنا في حلقة النظر بجامع المنصور ببغداد فجاء شاب خراساني يسأل عن مسألة المصراة، ويطالب بالدليل فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، الثابت في الصحيحين وغيرهما، فقال الشاب، وكان حنفيا: أبو هريرة غير مقبول الحديث، قال القاضي: فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فهرب الناس وتبعت الشاب دون غيره فقيل له: تب تب فقال: تبت فغابت الحية ولم يبق لها أثر. قال ابن الصلاح:
هذا إسناد ثابت، فيه ثلاثة من صالحي أئمة المسلمين القاضي أبو الطيب الطبري، وتلميذه أبو إسحاق وتلميذه أبو القاسم الزنجاني. ويقرب من هذا ما رواه أبو اليمن الكندي، قال:
حدثنا عبيد الله بن محمد بن حمدان، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم النحوي، قال: أخبرنا الكريمي، قال: حدثنا يزيد بن قرة الدراع، يرفعه إلى عمر بن حبيب، قال: حضرت مجلس الرشيد فجرت مسألة المصراة فتنازع الخصوم فيها وعلت أصواتهم فاحتج بعضهم بالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرد بعضهم الحديث، وقال: أبو هريرة متهم فيما يرويه، ونحا نحوه الرشيد ونصر قوله. فقلت: أما الحديث فصحيح وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه صحيح النقل فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى الرشيد نظر مغضب، فقمت من المجلس إلى منزلي فلم يستقر بي الجلوس حتى قيل: صاحب الشرطة بالباب. فدخل إلى فقال: أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول وتحنط وتكفن. فقلت: اللهم إنك تعلم أني قد دافعت عن صاحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه، فسلمني منه. قال فأدخلت على الرشيد فإذا هو جالس على كرسي من ذهب حاسر عن ذراعيه وبيده السيف، وبين يده النطع، فلما رآني قال: يا ابن حبيب ما تلقاني أحد بالرد ودفع قولي مثل ما تلقيتني به! فقلت: يا أمير المؤمنين إن الذي حاولت عليه فيه إزراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ما جاء به. فقال: كيف ويحك؟ قلت:
لأنه إذا كان أصحابه كذابين، فالشريعة باطلة والفرائض والأحكام من الصلاة والصيام والحج والنكاح والطلاق والحدود، كلها مردودة غير مقبولة لأنهم رواتها، ولا تعرف إلا بواسطتهم، فرجع الرشيد إلى نفسه، وقال: الآن أحييتني يا ابن حبيب أحياك الله ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم.
ويقرب من هذه القصة ما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب القاف في الكلام على لفظ القرد في الرجل الذي رد على معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما وهو على المنبر.
[تتمة:]
قال طارق بن شهاب الزهري: كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، قد قضى في ميراث الجد مع الإخوة في قضايا مختلفة، ثم إنه جمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأخذ كتفا ليكتب فيه، وهم يرون أنه يجعله أبا، فخرجت حية فتفرقوا، فقال: لو أراد الله تعالى أن يمضيه لأمضاه، ثم إنه أتى منزل زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فاستأذن عليه ورأسه في يد جارية له ترجله فنزع رأسه، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: دعها ترجلك. فقال زيد: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي جئتك؟ فقال عمر: إنما الحاجة لي إني جئتك في أمر الجد وأريد أن أجعله