ثم قام بالأمر بعده أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. بويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه أبوبكر رضي الله تعالى عنه، بوصية من أبي بكر إليه رضي الله تعالى عنهما.
فقام بعده بمثل سيرته وجهاده وثباته، وصبره على العيش الخشن، وخبز الشعير، والثوب الخام المرقع، والقناعة باليسير، وفتح الفتوحات الكبار، والأقاليم الشاسعة. وهو أول من سمي بأمير المؤمنين، وهو من المهاجرين الأولين صلى إلى القبلتين وشهد بدرا وبيعة الرضوان، وجميع المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما أسلم رضي الله تعالى عنه أعزّ الله به الإسلام وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنه راض، وبشره بالجنة.
ومناقبه رضي الله عنه كثيرة جدا وحسبك أنه كان وزير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعاش حميدا وتوفي فقيرا سعيدا شهيدا. فما يبغضه إلا زنديق أو حمار مفرط الجهل، وهو أول من عس في عمله رضي الله تعالى عنه، أي كان يمشي ليلا لحفظ الدين والناس، وهابه الناس هيبة عظيمة حتى تركوا الجلوس بالأفنية فلما بلغه رضي الله تعالى عنه هيبة الناس له، جمعهم ثم قام على المنبر حيث كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يضع قدميه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، وصلّى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: بلغني أن الناس قد هابوا شدتي، وخافوا غلظتي وقالوا: قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر رضي الله تعالى عنه والينا دونه، فكيف الآن وقد صارت الأمور إليه؟ ولعمري من قال ذلك صدق كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت عبده وخادمه حتى قبضه الله عزّ وجلّ وهو عني راض، والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك. ثم ولي أمر الناس أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكنت خادمه وعونه أخلط شدّتي بلينه، فأكون سيفا مسلولا حتى يغمدني أو يدعني فما زلت معه كذلك حتى قبضه الله تعالى وهو عني راض، والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك. ثم إني وليت أموركم اعلموا أن تلك الشدّة قد تضاعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، وأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدا يظلم أحدا ويتعدى عليه، حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن بالحق. ولكم علي أيها الناس أن لا أخبأ عنكم شيئا من خراجكم وإذا وقع عندي، أن لا يخرج إلا بحقه ولكم علي أن لا ألقيكم في المهالك وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
قال سعيد بن المسيب: وفى والله عمر وزاد في الشدة في مواضعها، واللين في مواضعه، وكان رضي الله تعالى عنه أبا العيال، حتى كان يمشي إلى المغيبات أي التي غاب عنهن أزواجهن، ويقول: ألكن حاجة حتى أشتري لكن؟ فإني أكره أن تخدعن في البيع والشراء، فيرسلن بجواريهن معه فيدخل في السوق، ووراءه من جواري النساء غلمانهن ما لا يحصى، فيشتري لهن حوائجهن.
ومن كان ليس عندها شيء، اشترى لها من عنده رضي الله تعالى عنه. وروي أن طلحة، رضي الله تعالى عنه، خرج فرأى عمر رضي الله تعالى عنه، قد دخل بيتا ثم خرج، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقال لها طلحة: ما بال هذا الرجل