للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجمع الأمثال: فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تنفد حتى ينفد العصر، وأنا أعتذر للناظر في هذا الكتاب من خلل يراه، أو لفظ لا يرضاه، فأنا كالمنكر لنفسه، المغلوب على حسه وحدسه، منذ حط البياض بعارضي رحالة، وحال الزمان على سوادهما فأحاله، وأطار من وكرها متي الخدارية، وأنحى على عود الشباب فمص ريّه، وملك يدا الضعف زمام قواي وأسلمني من كل يحطب في حبل هواي. فكأني المعني بقول الشاعر:

وهت عزماتك عند المشيب ... وما كان من حقّها أن تهي

وأنكرت نفسك لما كبرت ... فلا هي أنت ولا أنت هي

وإن ذكرت شهوات النفوس ... فما تشتهي غير أن تشتهي

[الخدرنق:]

العنكبوت وفي دالة الإهمال والإعجام في درة الغواص.

[الخراطين:]

قيل: هي الأساريع، والصواب أنها شحمة الأرض وستأتي إن شاء الله تعالى في باب الشين المعجمة وقيل: إنها العلق الكبار الطوال التي تكون في المواضع الندية من الأرض وهي إذا قليت بالزيت، ثم سحقت ناعما وتحمل بها صاحب البواسير نفعته، وإذا أخذ منها شيء وجعل في زيت ودفن سبعة أيام ثم أخرج ورمي من الزيت حتى تذهب رائحته ووضع في قارورة ووضع فيها مقدار نصفها شقائق النعمان، ثم يدفن سبعة أيام ويخرج، فمن اختضب به أسود شعره ولم يشب سريعا.

[الخرب:]

بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة وبالباء الموحدة: ذكر الحبارى، والجمع خراب وأخراب وخربان. ذكر أبو جعفر أحمد بن جعفر البلخي أن الرشيد جمع بين أبي الحسن الكسائي وأبي محمد اليزيدي ليتناظرا بين يديه فسأل اليزيدي والكسائي عن إعراب قول الشاعر:

ما رأينا قط خربا ... نقرعنه البيض صقر

لا يكون العير مهرا ... لا يكون المهر مهر؟

فقال الكسائي: يجب أن يكون المهر منصوبا على أنه خبر كان. ففي البيت على هذا اقواء.

فقال اليزيدي: الشعر صواب لأن الكلام قد تم عند قوله لا يكون، ثم استأنف فقال: المهر مهر.

ثم ضرب الأرض بقلنسوته وقال: أنا أبو محمد. فقال له يحيى بن خالد: أتكتني بحضرة أمير المؤمنين وتسفه على الشيخ؟ فقال له الرشيد: والله إن خطأ الكسائي مع حسن أدبه، أحب إلي من صوابك مع قلة أدبك. فقال: يا أمير المؤمنين إن حلاوة الظفر أذهبت عني التحفظ فأمر بإخراجه. واجتمع الكسائي ومحمد بن الحسن الحنفي يوما في مجلس الرشيد فقال الكسائي: من تبحر في علم اهتدى لجميع العلوم. فقال له محمد: ما تقول فيمن سها في سجود السهو هل يسجد مرة أخرى؟ قال: لا. قال: لماذا؟ قال: لأن النحاة تقول: المصغر لا يصغر. قال: فما تقول في تعليق العتق بالملك؟ قال: لا يصح. قال: لم؟ قال: لأن السيل لا يسبق المطر. وتعلم النسائي النحو على كبر سنه وذلك أنه مشى يوما حتى أعيا فجلس، فقال: قد عييت، فقيل له: قد لحنت. قال: كيف؟

قيل: إن كنت أردت التعب فقل: أعييت، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة، فقل: عييت! فأنف من قولهم لحنت، واشتغل بعلم النحو حتى مهر وصار إمام وقته فيه. وكان مؤدب الأمين والمأمون

<<  <  ج: ص:  >  >>