ناطقا صارما مهيبا ذا جبروت وسطوة وحزم ورأي وشجاعة، وكمال عقل ودهاء، وعلم وفقه وخبرة بالأمور، تقبله النفوس وتهابه الرجال. وكان يخلط أبهة الملك بزي النسك وكان بخيلا بالمال إلا عند النوائب.
[خلافة محمد المهدي]
ثم قام بالأمر بعده ابنه أبو عبد الله محمد المهدي بالله. بويع له بالخلافة يوم وفاة أبيه المنصور، بعهد منه وهو يومئذ ببغداد ثم بويع له بها لإحدى عشرة من ذي الحجة البيعة العامة. وتوفي بقرية من قرى ماسبذان ساق خلف صيد، فدخل خربة فدق ظهره باب الخربة، من قوة سوق الفرس فتلف لوقته، وقيل: بل سمته جاريته، قيل: إنها جعلت السم في طعام لضرتها، فدخل ومديده فأكل، فما جسرت أن تقول له هو مسموم.
وكانت وفاته لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة، ولم يوجد له نعش يحمل عليه، فحمل على باب ودفن تحت شجرة جوز، وله إثنتان وأربعون سنة ونصف، وقيل ثلاث وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وكان جوادا ممدوحا محببا إلى رعيته حسن الخلق والخلق يقال: إن أباه خلف في الخزائن مائة ألف ألف درهم وستين ألف ألف درهم ففرقها ويقال أنه أجاز شاعرا بمائة ألف درهم.
[خلافة موسى الهادي]
ثم قام بالأمر بعده ابنه موسى الهادي بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، وكان مقيما بجرجان يحارب أهل طبرستان بويع له بماسبذان ثم أخذ له أخوه الرشيد البيعة ببغداد، وبعث إليه يعزيه بوالده ويهنيه بالخلافة، فقدم بغداد على خيل البريد، فتلقاه الناس وبايعوه ثم عزم على خلع أخيه الرشيد من ولاية العهد فعاجله القضاء، وحال بينه وبين مراده. وكانت وفاة الهادي ببغداد رابع عشر شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة وله أربع وعشرون سنة وقيل نحو خمس وعشرين سنة، بقرحة أصابته. وكانت خلافته سنة واحدة وخمسة وأربعين يوما، وقيل سنة وشهرين وكان طويلا مليحا جسيما ذا ظلم وجبروت سامحه الله تعالى.
[خلافة هارون الرشيد]
ثم قام بالأمر بعده أخوه هارون الرشيد بن محمد المهدي. وكان أبوهما قد أخذلهما ولاية العهد معا. بويع له بالخلافة في الليلة التي توفي فيها أخوه، وولد له في تلك الليلة المأمون، وكانت ليلة عجيبة لم ير مثلها في بني العباس مات فيها خليفة وولد فيها خليفة. ولما بويع الرشيد قلد يحي بن خالد بن برمك وزارته. وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب العين المهملة في لفظ العقاب ايقاع الرشيد بالبرامكة، وقتله جعفر بن يحي بن خالد بن برمك، وتخليد يحي وولده في السجن إلى أن ماتا وسبب ذلك مبينا إن شاء الله.