النعمان رضي الله تعالى عنه، قال: لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه مستخفيين، مرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن ههنا عناقا حملت أول الشتاء وما بقي لها لبن. قال صلى الله عليه وسلم: «ادع بها» . فاعتقلها صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها حتى أنزلت. وجاء أبو بكر بمجن فحلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب صلى الله عليه وسلم. فقال الراعي: بالله من أنت فو الله ما رأيت مثلك قط؟ قال: «أو تراك تكتم علي حتى أخبرك» قال: نعم. قال: «فإني محمد رسول الله» . قال: أنت الذي تزعم قريش أنك صابىء؟
قال: «إنهم ليقولون ذلك» . قال: أشهد أنك نبي، وأن ما جئت به حق، وأنا متبعك. قال صلى الله عليه وسلم:
«إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا» .
[خاتمة]
: روى أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد، وكان يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق كقطام، وكانت صديقة له، وإنه كان واعد رجلا من الأسارى بمكة، أن يأتيه فيحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة، في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إلي، قالت:
مرثد؟ قلت: مرثد. قالت: مرحبا وأهلا وسهلا هلم فبت عندنا الليلة. فقلت: يا عناق قد حرم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراركم. قال: فتبعني ثمانية رجال، وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى غار أو كهف، فجاؤوا حتى وقفوا على رأسي وبالوا، فظل بولهم ينزل على رأسي وأعماهم الله عني.
فرجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت به إلى الأذخر، ففككت عنه أكبله، وجعلت أحمله ويعييني، حتى قدمت به المدينة، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق؟ فأمسك ولم يرد علي شيئا حتى نزلت: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
«١» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا مرثد الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
«٢» فلا تنكحها» . قال الخطابي: هذا خاص بهذه المرأة، إذ كانت كافرة فأما الزانية المسلمة فإن العقد عليها صحيح لا ينفسخ. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: قال عكرمة: معنى الآية أن الزاني لا يريد ولا يقصد إلا نكاح زانية.
قال: والأشبه ما قاله سعيد بن المسيب أن هذه الآية منسوخة، نسخها قوله «٣» تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ
وهي من أيامى المسلمين.
[الأمثال]
: قالوا «٤» : «لا تنفط في هذا الأمر عناق» . أي لا تعطس، والنفيط من العناق مثل العطاس من الإنسان. وهو كقولهم: «لا ينتطح فيها عنزان» «٥» . وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله.
[عناق الأرض:]
دويبة أصغر من الفهد طويل الظهر يصيد كل شيء حتى الطير، وهو التفه الذي تقدم ذكره، في باب التاء المثناة فوق. وقال في نهاية الغريب: قال قتادة: عناق الأرض من