للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم»

قال: «لعن الله من مثل بالحيوان» . وفي رواية «لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا» «٢» . وفي رواية «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم» «٣» . قال العلماء تصبير البهائم هو أن تحبس وهي أحياء لتقتل بالرمي ونحوه، وهو معنى قوله: «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا» أي يرمى إليه كالغرض من الجلود وغيرها. وهذا النهي للتحريم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله، ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته، إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى.

[تتمة:]

في كتاب التنوير في إسقاط التدبير، قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الإسكندري وإنما خص الله تعالى الحيوان بالافتقار إلى التغذية، دون غيره من الموجودات، لأنه تعالى وهب للحيوان من صفاته ما لو تركه من غير فاقة لا دعى الربوبية، أو ادعى فيه ذلك فأراد الحق سبحانه، وهو الحكيم الخبير، أن يحوجه إلى مأكل ومشرب وملبس وغير ذلك، من أسباب الحاجة، ليكون تكرار أسباب الحاجة منه سببا لخمود الدعوى منه أو فيه.

[الحكم:]

يصح السلم في الحيوان، لأنه يثبت في الذمة ثمنا وصداقا، وفي إبل الدية. وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا ومنع أبو حنيفة رضي الله عنه ذلك. لأن ابن مسعود رضي الله عنه كرهه، ولأنه لا ينضبط بالصفة لنا ما روى أبو داود والحاكم على شرط مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه قال «٤» : «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بعيرا ببعيرين إلى أجل» وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه، أنه باع جملا له يدعى عصفور بعشرين بعيرا إلى أجل واشترى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة. رواه مالك في الموطأ في البخاري بغير إسناد. الربذة بالذال المعجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة وأما الحديث الذي رواه الحسن عن سمرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان» «٥» فرواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: إنه حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح. هكذا قال علي بن المديني وغيره. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم في منع بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه قال أحمد. وقد رخص بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم، في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وهو قول الشافعي وإسحاق وقال الخطابي: النهي في حديث سمرة محمول على ما إذا كان نسيئة من الطرفين، فيكون من باب الكالىء بالكالىء بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المذكور وقال مالك: إذا اختلفت أجناس الحيوان جاز بيع بعضه ببعض نسيئة وإن تشابهت لم يجز وقال في الإحياء تكره التجارة في الحيوان لأن المشتري يكره قضاء الله فيه، وهو الموت الذي هو بصدده لا محالة. وقيل: بيع الحيوان واشتر الموتان. ويضمن سائر الحيوان إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>