ولعل أبا عاصم أراد بالمستثنى بالنص غراب الزرع، والغداف الصغير فإنهم يلقطان الحب، ويأكلان الزرع. كما قاله الماوردي في الحاوي، وفيهما وجهان أصحهما في الروضة تحريم الغداف وحل الزرعي. وقد تقدم طرف من هذا في أحكام الغراب، لكن كلام الرافعي يقتضي حلهما، فمن قال بتحريمهما استثناهما من اللقاط، ولم يحمل الأمر الوارد بقتل الغراب على الأبقع وحده، بل عليه وعلى غيره.
ونقل الجاحظ هذا الاحتمال عن صاحب المنطق، فقال: قال صاحب المنطق: الغراب جنس من الأجناس التي أمر بقتلها في الحال والحرم، وهذا صريح في أن الجميع فواسق، وأن قتل جميعها مستحب.
وقد صرح في الحاوي باستحباب قتل الغراب الأسود الكبير، وألحقه بالأبقع وجعل النهي علة تحريمه، ومن قال: يحل اللقاط مطلقا لم يستثن شيئا، وحمل الأمر بقتل الغراب على الأبقع، لأنه قد ورد التقييد، في بعض الروايات بالغراب الأبقع. وهذا إنما يستقيم إذا قلنا: إنّ ذكر بعض أفراد العموم تخصيص، والصحيح أنه ليس بتخصيص. والغراب الأبقع، وإن كان يلقط الحب، فهو غير وارد على البوشنجي، لأن غالب أكله الخبائث، بخلاف الزرعي والغداف الصغير والله تعالى أعلم.
[اللقلق:]
طائر أعجمي طويل العنق وكنيته عند أهل العراق أبو خديج، وعبر عنه الجوهري بالقاف، وهو اسم أعجمي قال: وربما قالوا: اللغلغ، والجمع اللقالق، وهو يأكل الحيات، وصوته اللقلقة، وكذلك كل صوت فيه حركة واضطراب. ويوصف بالفطنة والذكاء، قال القزويني، في الأشكال: قال الرئيس: من ذكاء هذا الطائر أنه يتخذ له عشين يسكن في كل واحد منهما بعض السنة، وأنه إذا أحسّ بتغير الهواء عند حدوث الوباء، ترك عشه وهرب من تلك الديار، وربما ترك بيضه أيضا. قال: ومما يتوصل به إلى طرد الهوام اتخاذ اللقلق، فإن الهوام تهرب من مكان هو فيه، لفزعها منه وإذا ظهرت قتلها.
[الحكم]
: في حله وجهان: أحدهما، وبه قال الشيخ أبو محمد: يحل كالكركي ورجحه الغزالي، والثاني يحرم، وصححه البغوي وجزم به العبادي، واحتج بأنه يأكل الحيات، ويصف في الطيران. وقد قال صلى الله عليه وسلم:«كل ما دفّ ودّع ما صف» . يقال: دف الطائر في طيرانه إذا حرك جناحيه، كأنه يضرب بهما، وصف إذا لم يتحرك، كما تفعل الجوارح. ومنه قوله «١» تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ
. والأصح في شرح المهذب والروضة أنه حرام. واللقلق من طير الماء وقد تقدم استثناؤه.
[الخواص]
: إذا ذبح فرخ من فراخه وطلي به بدن المجذوم نفعه نفعا بينا، وإذا أخذ من دماغه وزن دانق ومن أنفحة الأرنب مثله، وأذيبا على النار، فمن طعم منه باسم آخر هيج روحانية المحبة في قلبه. وقال هرمس: من حمل عظم اللقلق معه زال همه، وإن كان عاشقا سلا ومن حمل