وعن شهر بن حوشب، قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة، قال له ابنه: يا أبتاه إنك كنت تقول لنا: ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا لبيبا عند نزول الموت به، حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل، فصف لي الموت، فقال: يا بني والله كأن السماء قد أطبقت على الأرض، وكأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي، ثم أنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
[ومن غريب ما اتفق]
. أن عبد الملك بن مروان لما احتضر، وكان قصره يشرف على بردى، فنظر إلى غسال يغسل الثياب، فقال: ليتني كنت مثل هذا الغسال، أكتسب ما أعيش به يوما بيوم، ولم أل الخلافة. وتمثل بقول «١» أمية بن أبي الصلت:
كلّ حي وإنّ تطاول دهرا.
البيتين المتقدم ذكرهما.
فاتفق له كما اتفق لأمية من الموت عقب ذلك، فلما بلغ ذلك أبا حازم، قال: الحمد لله الذي جعلهم في وقت الموت يتمنون ما نحن فيه، ولم يجعلنا نتمنى ما هم فيه.
وفي الاستيعاب، في ترجمة الفارعة بنت أبي الصلت، أخت أمية بن أبي الصلت، أنها قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد فتحه للطائف، وكانت ذات لب وعفاف وجمال، وكان صلى الله عليه وسلم يعجب بها، فقال لها صلى الله عليه وسلم يوما:«هل تحفظين من شعر أخيك شيئا؟» فأخبرته خبره، وما رأت منه، وقصت قصته في شق جوفه، وإخراج قلبه، ثم عوده إلى مكانه وهو قائم، وأنشدت له شعره الذي أوله: