وقالوا:«أذل من عير» . قيل: المراد به الوتد، لأنه يشج رأسه أبدا. وقيل: المراد به الحمار، وقال الشاعر:
ولا يقيم على خسف يراد به ... إلا الاذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثى له أحد
وقال خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، عند موته: لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ثم ها أنا أموت حتف أنفي كما يموت العير، لا نامت أعين الجبناء.
[العير:]
بالكسر الإبل التي تحمل الميرة، ويجوز أن تجمعه على عيرات. وفي الحديث أنهم كانوا يترصدون عيرات قريش.
[فائدة]
: قال الله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها
«١» قال ابن عطية: القرية مصر. قاله ابن عباس وغيره، وهو مجاز، والمراد أهلها. وكذلك قوله والعير هذا قول الجمهور وهو الصحيح. وحكى أبو المعالي في التلخيص، عن بعض المتكلمين، أنه قال:
هذا من الحذف، وليس من المجاز، قال: وإنما المجاز لفظة تستعار لغير ما هي له، وحذف المضاف هو غير المجاز، هذا مذهب سيبويه وغيره من أهل النظر، وليس كل حذف مجازا. ورجح أبو المعالى في هذه الآية أنه مجاز، وحكى أنه قول الجمهور، أو نحو هذا. وقالت فرقة: بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة من حيث هو نبي فلا يبعد أن تخبره بالحقيقة، قال: وهذا وان جوز فبعيد.
[فائدة أخرى]
: أول من قال: «لا في العير ولا في النفير»«٢» أبو سفيان بن حرب، وذلك أنه لما أقبل بعير قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم تحين انصرافها من الشأم، فندب المسلمين للخروج معه وأقبل أبو سفيان حتى دنا من المدينة، وقد خاف خوفا شديدا، فقال للمجد بن عمرو: هل أحسست بأحد من أصحاب محمد؟ فقال: ما رأيت أحدا أذكره إلا راكبين أتيا إلى هذا المكان، وأشار إلى مكان عديا وبسيسا عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ أبو سفيان أبعارا من أبعار بعيريهما وفركها فإذا فيها نوى، فقال: علائف يثرب، هذه عيون محمد فضرب وجوه عيره عن يسار بدر، وقد كان بعث إلى قريش يخبرهم بما يخافه من النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبلت قريش من مكة، فأرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم أنه قد أحرز العير ويأمرهم بالرجوع، فأبت قريش أن ترجع، ومضت إلى بدر ورجع بنو زهرة منصرفين إلى مكة، فصادفهم أبو سفيان فقال: يا بني زهرة «لا في العير ولا في النفير»«٣» . قالوا: أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع. ومضت قريش إلى بدر، فأظهر الله نبيه صلى الله عليه وسلم عليهم ولم يشهد بدرا من بني زهرة أحد. قال الأصمعي: يضرب هذا المثل للرجل يحط أمره ويصغر قدره، والله تعالى أعلم.