للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصاحب إليه «١» :

ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ... ضعفنا فلم نقدر على الوخدان

أتيناكم من بعض أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوان

نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملء جفون لا بملء جفان

وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر، فجاوبه أبو أحمد عن النثر بنثر مثله وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور وهو:

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان

فلما وقف الصاحب على الجواب، عجب من اتفاق هذا البيت له، وقال: والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت، لما كتبت إليه على هذا الروي. وهذا البيت لصخر أخي الخنساء. وهو من جملة أبيات مشهورة. وكان صخر المذكور قد حضر محاربة بني أسد، فطعنه ربيعة بن ثور الأسدي فأدخل بعض حلقات الدرع في جنبه، وبقي مدة حول في أشد ما يكون من المرض، وأمه وزوجته سليمى يمرضانه. فضجرت زوجته منه، فمرت بها امرأة فسألتها عن حاله، فقالت: لا هو حي فيرجى ولا ميت فينسى فسمعها صخر فأنشد «٢» :

أرى أم صخر لا تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني

وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان

لعمري لقد نبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان

وأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش إلا شقا وهوان

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان

فللموت خير من حياة كأنها ... معرس يعسوب برأس سنان

وقالوا: «كل شواء العير جوفان» «٣» ، قيل: اجتمع فزاري وثعلبي وكلبي في سفر، فاشتووا حمارا وحشيا، فغاب الفزاري في بعض حاجاته، فأكل صاحباه العير، واختبآ له غرموله، فلما جاء قدماه له وقالا: هذا قد اختبأناه لك، فجعل يأكل ولا يسيغه فضحكا منه، فاخترط سيفه وقال:

لأقتلنكما إن لم تأكلاه! فأبى أحدهما، فضربه بالسيف، فأبان رأسه. وكان اسمه مرقمة، فقال صاحبه: طاح مرقمة! فقال الفزاري: وأنت إن لم تلقمه أراد إن لم تلقمها طرحت رأسك. وقد عيرت فزارة بهذا الخبر حتى قال سالم بن دارة في ذلك «٤» :

لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار

لا تأمننه ولا تأمن بوائقه ... بعد الذي امتل اير العير بالنار

أطعمتم الضيف جوفانا مخاتلة ... فلا سقاكم إلهي الخالق الباري

<<  <  ج: ص:  >  >>