السحر لا يظهر إلا على يد فاسق، والكرامة لا تظهر إلا على يد ولي، ولا تظهر على يد فاسق، وبهذا جزم إمام الحرمين، وأبو سعيد المتولي وغيرهما. والثاني أن السحر يكون ناشئا بفعل ومزج ومعاناة وعلاج، والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع ذلك اتفاقا، من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله تعالى أعلم.
وأما ما يتعلق بالمسألة من فروع الفقه، فتعلم السحر وتعليمه حرام على الصحيح.
والصواب عدم جواز تعليمه لكل أحد يريد تعلمه، وقال القاضي حسين وإبراهيم المروزي: إن كان في تعليمه ترك طاعة لله عز وجل لا يجوز، وإن لم يكن فإن قصد بتعلمه دفع ضرر سحر الناس عن نفسه جاز، وإن قصد تعلمه ليسحر الناس لم يجز انتهى. والخلاف فيما إذا كان لا يتوقف على اعتقاد كفر أو مباشرة محظور كترك صلاة وغيرها، أما إذا توقف على ذلك فتعلمه حرام بالإجماع، والسحر من الكبائر.
ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أن الساحر يكفر لقوله «١» تعالى: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ
لأنهم إنما نسبوا سليمان عليه السلام إلى السحر لا إلى الكفر. ولقوله تعالى حكاية عن الملكين إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
«٢» ومذهب الشافعي أنه لا يكفر إلا أن يكون فيه قول أو فعل يقتضي الكفر. قال الرافعي: من اعتقد إباحته فهو كافر. وقال ابن الصباغ: إن اعتقد التقرب إلى الكواكب السبعة وإنها تجيب إلى ما يقترح منها، فهو كافر. وعن القفال أنه لو قال: أنا أفعل السحر بقدرتي دون قدرة الله تعالى فهو كافر. فلو تاب الساحر قبلت توبته عند الشافعي رحمه الله. وقال مالك رحمه الله: السحر زندقة، فإن قال: أنا أحسن السحر قتل، ولا تقبل توبته كما لا تقبل توبة الزنديق.
وعن أبي حنيفة رحمه الله مثله. وعن الإمام أحمد رحمه الله روايتان كالمذهبين. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن المرأة الساحرة تحبس ولا تقتل، وأما الساحر الذمي فلا يقتل إلا أن يضر بالمسلمين فيقتل لنقضه العهد. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يقتل مطلقا، ويقال للرجل المسحور مطبوب.
يقال طب الرجل إذا سحر، فكنوا بالطب عن السحر، كما كنوا بالسليم عن اللديغ. قال ابن الأنباري: الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب، وهو من أعظم الأدواء، ورجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته والله تعالى أعلم.
[فائدة أدبية]
: دخل أبو العلاء المعري يوما على الشريف المرتضى فعثر برجل، فقال له الرجل: من هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما. فقربه المرتضى واختبره فوجده علامة. ثم جرى ذكر المتنبي يوما فتنقصه الشريف المرتضى وذكر معايبه، فقال المعري: لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله «٣» :
لك يا منازل في القلوب منازل
لكفاه فضلا وشرفا، فغضب الشريف المرتضى وأمر بسحبه برجله وإخراجه من المسجد، ثم