لقوله «١» صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة رضي الله عنهما: «حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» . وأكل العسل عناق حبيب وتقبيله.
وأما الشهد فإنه ميراث من حلال أو مال من شركة، وقال ابن سيرين: الشهد رزق حلال لأن النار لا تمسه، ومن رأى بين يديه شهدا موضوعا، فإن عنده علما عزيزا والناس يريدون سماعه منه، والشهد إذا كان وحده، فهو مال من غنيمة، فإن كان في وعاء فهو رجل صاحب علم ومال حلال، وهو للزاهد الغني مال وبر ودين، ومن رأى كأنه يأكل الشهد وفوقه العسل، فإنه ينكح أمة والله تعالى أعلم.
طائر معروف وجمعه في القلة أنسر، وفي الكثرة نسور، وكنيته أبو الأبرد وأبو الأصبع وأبو مالك وأبو المنهال وأبو يحيى، والأنثى يقال لها أم قشعم. وسمي نسرا لأنه ينسر الشيء ويبتلعه، وهو عريف الطير، ويقول في صياحه: ابن آدم عش ما شئت، فإن الموت ملاقيك. كذا قاله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما.
قلت: وفي هذا مناسبة لما خص النسر به من طول العمر، يقال: إنه من أطول الطير عمرا، وأنه يعمر ألف سنة، وقصة لبد تأتي إن شاء الله تعالى، في الأمثال. والنسر ذو منسر، وليس بذي مخلب، وإنما له أظفار حداد كالمخالب. والبازي والنسر يسفدان كما يسفد الديك.
وزعم قوم أن الأنثى من هذا النوع، تبيض من نظر الذكر إليها، وهي لا تحضن وإنما تبيض في الأماكن العالية الضاحية للشمس، فيقوم حر الشمس للبيض مقام الحضن، وهو حاد البصر يرى الجيفة من أربعمائة فرسخ، وكذلك حاسة شمه في النهاية، لكنه إذا شم الطيب مات لوقته، وهو أشد الطير طيرانا، وأقواها جناحا، حتى إنه ليطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد، وإذا وقع على جيفة وعليها عقبان تأخرت، ولم تأكل مادام يأكل منها، وكل الجوارح تخافه، وهو شره نهم رغيب إذا وقع على جيفة وامتلأ منها، لم يستطع الطيران حتى يثب وثبات، يرفع بها نفسه طبقة بعد طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح، وربما صاده الضعيف من الناس في هذه الحالة، والأنثى منه تخاف على بيضها وفراخها الخفاش، فتفرش في وكرها ورق الدلب لينفر منه، وهو من أشد الطير حزنا على فراق إلفه، فإذا فارق أحدهما الآخر مات حزنا وكمدا.
ومن غريب ما ألهم أنه إذا حملت أنثاه، ذهب إلى الهند فأخذ من هناك حجرا كهيئة الجوزة، إذا حرك سمع له حس حجرا آخر متحرك، كصوت الجرس فإذا جعله عليها أو تحتها أذهب عنها العسر، وهذا بعينه قاله القزويني في العقاب، وقد تقدم في باب العين. وليس في سباع الطير أكبر جثة منه، ويقال للنسر أيضا أبو الطير قال الشاعر:
فلا وأبي الطير المريه في الضحى ... على خالد لقد وقعت على لحم