على الله من الدواب، فرجع ولم يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأتى أصحابه وقال لهم: أبشروا فقد جاءكم الغوث فظنوا أنه قد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بحالهم، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجلان معهما قصعة مملوأة خبزا ولحما فأكلوا ما شاء الله، ثم قال بعضهم لبعض: ردوا بقية هذا الطعام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه، ثم إنهم أتوه فقالوا: يا رسول الله لم نر طعاما أكثر ولا أطيب من طعام أرسلته إلينا! فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أرسلنا إليكم شيئا فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم إليه، فسأله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع، فقال «١» صلى الله عليه وسلم: «ذلكم شيء رزقكموه الله عزّ وجلّ» . قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندري: هذه آية مصرحة بضمان الحق الرزق، وقطعت ورود الهواجس والخواطر عن قلوب المؤمنين، فإن وردت على قلوبهم، كرت عليها جيوش الإيمان بالله والثقة به وبضمانه فهزمتها بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.
وذكر: ابن السني عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٢» :
إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا فإن الله عز وجل في الأرض حابسا يحبسها» . قال: الإمام النووي رحمه الله تعالى حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم، أنه انفلتت له دابة، أظنها بغلة، وكان يعرف هذا الحديث، فقاله فحبسها الله تعالى عليه في الحال. قال:
وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منهم بهيمة، فعجزوا عنها فقلت هذا الحديث فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام. وروى ابن السني أيضا، عن الإمام السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه، وديانته وورعه ونزاهته، أبي عبد الله يونس بن عبيد بن دينار المصري التابعي، المشهور، رحمه الله تعالى، أنه قال: ليس رجل يكون على دابة صعبة، فيقول في أذنها: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
«٣» إلا وقفت بإذن الله تعالى. وروى الطبراني، في معجمه الأوسط، من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرؤوا في أذنه أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
. وقد تقدم في باب الباء الموحدة في لفظ البلغة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب بغلة فحادت به فحبسها، وأمر رجلا أن يقرأ عليها قل أعوذ برب الفلق فسكنت.
[فرع:]
في كتب الحنابلة يجوز الانتفاع بالدابة في غير ما خلقت له كالبقر للحمل واللركوب، والإبل والحمير للحرث وقوله صلى الله عليه وسلم:«بينما رجل يسوق بقرة إذ أراد أن يركبها فقالت: إنا لم نخلق لذلك» . متفق «٤» عليه. المراد أنه معظم منافعها ولا يلزم منه منع غير ذلك. وقال الإمام أحمد من شتم دابة، قال الصالحون: لا تقبل شهادته لحديث المرأة التي لعنت الناقة. وفي صحيح «٥» مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» .
[فرع:]
يجب على مالك الدابة علفها ورعيها وسقيها لحرمة الروح كما في الصحيح عذبت