الشيب فخضب بالحناء ثم ترك قال ابن الساعي «١» : حضرت بيعته فلما رفعت الستارة وشاهدته وقد كمل الله صورته، ومعناه كان أبيض مشربا بحمرة أزج «٢» الحاجبين، أدعج «٣» العينين سهل الخدين، أقنى الأنف رحب الصدر، عليه ثوب أبيض، وقباء أبيض، وطرحة قصب بيضاء، فجلس إلى الظهر.
وبلغني أن عدة الخلع التي خلعها بلغت ثلاثة آلاف خلعة وخمسمائة خلعة وسبعين خلعة.
وكانت خلافته وافرة الحشمة، وفيه عدل ودين وقمع للمتمردين، ونهضة بأعباء الخلافة، ووقف المدارس والمساجد وبذل الأموال ودانت له الملوك، وكان جده الناصر يحبه ويسميه القاضي لعقله ومحبته للحق. وأنشأ المدرسة التي لا نظير لها في الدنيا، واستخدم عسكرا عظيما إلى الغاية حتى إن جريدة جيشه، بلغت نحو مائة ألف فارس استعدادا لحرب التتار، وقد خطب له بالأندلس وبعض بلاد المغرب.
وكانت خلافته سبع عشرة سنة، فالله يتغمده برحمته ومغفرته فلم يخلع هو ولا أبوه. وبهذا انقضت القاعدة إلا أن التتار كان أمرهم قد عظم في أيامهما، فأخذوا جملة مستكثرة من بلاد الإسلام، وفقد جلال الدين خوارزم شاه في أيام المستنصر في وقعة كانت بينه وبين التتار، وهذا أعظم وأطم من الخلع. ثم لم ينتظم لبني العباس في العراق أمر بحيث إن من ولي بعد هؤلاء لم يكملوا العدة المشروطة، فإن الذي جاء بعدهم واحد وهو المستعصم بالله بن المستنصر وهو الذي قتله التتار. وانقرضت الدولة العباسية من العراق سنة ست وخمسين وستمائة، فإن المستعصم قتل في الثامن والعشرين من المحرم كما ستراه في ترجمته إن شاء الله تعالى.
[خلافة المستعصم بالله]
ثم قام بالأمر بعده، المستعصم بالله وهو أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي، آخر الخلفاء العراقيين، وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة.
وكان مولد أبي أحمد في خلافة جد أبيه، قال المؤلف رحمه الله تعالى: بويع له بالخلافة يوم قتل الظاهر البيعة العامة وذلك في جمادى الأولى سنة أربعين وستمائة فظهر بهذه العبارة أن المؤلف جعل الترجمة السابقة للظاهر، ولم يجعل للمستنصر ترجمة وإن الناسخ نقل ذلك كما وجده.
فالإعتماد على ما ذكرته من ترجمتهما، وهو السادس فخلع وقتل، في أيام هولاكو، لما أخذ بغداد، سنة خمس وخمسين وستمائة وكان ذلك بمواطأة وزيره ابن العلقمي، وسوء تدبير المستعصم، واشتغاله بلعب الحمام، وبما لا يليق به. وكان قد خرج إلى هولاكو ومعه الفقهاء والصوفية فقتلوا عن آخرهم. وأخذ المستعصم فخلع ووضع في جوالق وضرب بالمرازب وقيل بمداق الجص إلى أن