لفظ الكلب، ما ذكره ابن عبد البر في بهجة المجالس وأنس المجالس: أنه قيل لجعفر الصادق:
كم تتأخر الرؤيا؟ فقال خمسين سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأن كلبا أبقع ولغ في دمه، فأوله بأن رجلا يقتل الحسين ابن بنته. فكان الشمر بن ذي الجوشن الكلب، قاتل الحسين رضي الله تعالى عنه، وكان أبرص فتأخرت الرؤيا بعده صلى الله عليه وسلم خمسين سنة.
وفي هذه السنة أي سنة ستين، دعا ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما، إلى نفسه بالخلافة بمكة وعاب يزيد بشرب الخمر، واللعب بالكلاب، والتهاون بالدين، وأظهر ثلبه وتنقصه، فبايعه أهل تهامة والحجاز، فلما بلغ يزيد ذلك ندب له الحصين بن نمير السكوني، وروح بن زنباع الجذامي، وضم إلى كل واحد جيشا، واستعمل على الجميع مسلم بن عقبة المري، وجعله أمير الأمراء، ولما ودعهم قال: يا مسلم لا نردن أهل الشام عن شيء يريدونه بعدوهم، واجعل طريقك على المدينة فإن حاربوك، فحاربهم فإن ظفرت بهم فأبحها ثلاثا فسار مسلم بن عقبة حتى نزل الحرة، وخرج أهل المدينة فعسكروا بها، وأميرهم عبد الله بن حنظلة الراهب، وهو غسيل الملائكة، فدعاهم مسلم ثلاثا فلم يجيبوه، فقاتلهم فغلب أهل الشام وقتلوا أمير المدينة عبد الله بن حنظلة وسبعمائة من المهاجرين والأنصار، ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أباح حرمي فقد حلّ عليه غضبي» ثم شخص بالجيش إلى مكة وكتب إلى يزيد بما صنع بالمدينة. فلما بلغ مسلم هرشى اعتل ومات، فتولى أمر الجيش الحصين بن نمير السكوني فسار حتى وافى مكة، فتحصن منه ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما في المسجد الحرام، بجميع من كان معه، فنصب الحصين المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به الكعبة المعظمة، فبينما هم كذلك إذ ورد الخبر إلى الحصين بموت يزيد بن معاوية، فأرسل إلى ابن الزبير يسأله الموادعة، فأجابه إلى ذلك وفتح الأبواب واختلط العسكران يطوفون بالبيت، فبينما الحصين يطوف ليلة بعد العشاء، إذ استقبله ابن الزبير فأخذ الحصين بيده، وقال له سرا: هل لك في الخروج معي إلى الشام، فأدعو الناس إلى بيعتك؟ فإن أمرهم قد مرج، ولا أرى أحدا أحق بها اليوم منك، ولست أعصى هناك. فاجتذب ابن الزبير يده من يده، وقال وهو يجهر بقوله: دون أن أقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام؟ فقال الحصين: لقد كذب الذي يزعم إنك من دهاة العرب، أكلمك سرا فتكلمني علانية، وأدعوك إلى الخلافة وتدعوني إلى الحرب.
ثم انصرف بمن معه إلى الشام وتوفي يزيد بن معاوية في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وله تسع وثلاثون سنة ودفن بمقبرة باب الصغير. وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر، وقد وقع للغزالي والكيا الهراسي فيه كلام وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الفاء في لفظ الفهد.
[خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان]
ثم قام بالأمر بعده ابنه معاوية، وكان خيرا من أبيه، فيه دين وعقل، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، فأقام فيها أربعين يوما، وقيل أقام فيها خمسة أشهر وأياما. وخلع نفسه وذكر غير