ولما قتل إبراهيم بن الوليد، بويع لمروان بن محمد المنبوز بالحمار، بالخلافة. وفي أيامه ظهر أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة وظهر السفاح بالكوفة، وبويع له بالخلافة، وجهز عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم، لقتال مروان بن محمد فالتقى الجمعان بالزاب، زاب الموصل، واقتتلوا قتالا شديدا فانهزم مروان، وقتل من عسكره وغرق ما لا يحصى. وتبعه عبد الله إلى أن وصل إلى نهر الأردن فلقي جماعة من بني أمية، وكانوا نيفا وثمانين رجلا، فقتلهم عن آخرهم ثم أمر عبد الله بسحبهم فسحبوا، وبسط عليهم بساطا وجلس هو وأصحابه فوقهم واستدعى بالطعام فأكلوا وهم يسمعون أنينهم من تحتهم، فقال عبد الله: يوم كيوم الحسين ولا سواء.
ثم جهز السفاح عمه صالح بن علي على طريق السماوة، فلحق بأخيه عبد الله، وقد نازل دمشق ففتحها عنوة وأباحها ثلاثة أيام، ونقض عبد الله سورها حجرا حجرا، وهرب مروان إلى مصر فتبعه صالح وقتل مروان بأبي صير، قرية من قرى الصعيد كما سيأتي في باب الهاء في لفظ الهر، وكان قد عزم على الدخول إلى الحبشة فبيتوه، فقال حين قتل: انقرضت دولتنا.
وكان بطلا شديدا شجاعا مهابا ذا هيئة أبيض ربعة أشهل ضخما، كث اللحية وكان حازما سائسا. وتمزقت بموته دولة بني أمية. وكان قتل مروان الجعدي في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وهو ابن ست وخمسين سنة، وكانت خلافته خمس سنين قيل وشهرين وعشرة أيام. وهو آخر خلفاء بني أمية وهم أربعة عشر خليفة: أولهم معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وآخرهم مروان الجعدي المنبوز بالحمار وكانت مدة خلافتهم نيفا وثماني وثمانين سنة، وهي ألف شهر ولما انقضت دولتهم على ما قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما لما قيل له: تركت الخلافة لمعاوية؟ فقال: ليلة القدر خير من ألف شهر. وبدولة مروان اختل النظام في أن كل سادس يخلع، لأن العدة لم تكتمل، لأن الوليد بن يزيد المخلوع لم يل بعده من بني أمية، سوى ثلاثة يزيد بن الوليد بن عبد الملك ثم أخوه إبراهيم ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وبه انقرضت دولة بني أمية، وجاءت الدولة العباسية ثبتها الله تعالى إلى قيام الساعة.
[الدولة العباسية خلافة أبي العباس السفاح]
قال المؤرخون: ولما أتى الله تعالى بالدولة العباسية، كان أولهم السفاح، وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، بويع له بالخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة يوم الجمعة ثالث عشر شهر ربيع الأول واستوزر أبا سلمة حفصا الخلالي، وهو أول من لقب بالوزير واستمر اللقب لمن بعده إلى زمن الصاحب ابن عباد. وإنما سمي بالصاحب، لأنه صحب