للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خلافة مروان بن الحكم]

ثم قام بالأمر بعده مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. بويع له بالخلافة بالجابية، ثم دخل الشام فأذعن أهلها له بالطاعة، ثم دخل مصر بعد حروب كثيرة فبايعه أهلها. وكان يقال له ابن الطريد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان قد طرد أباه إلى الطائف، فرده عثمان رضي الله تعالى عنه حين ولي كما تقدم قريبا. وتوفي مروان سنة خمس وستين، وثبت عليه زوجته، لكونه شتمها فوضعت على وجهه مخدة كبيرة، وهو نائم، وقعدت هي وجواريها فوقها حتى مات.

وكان قد لحق النبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي وولي نيابة المدينة مرات، وهو قاتل طلحة أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم. وكان كاتب السر لعثمان رضي الله تعالى عنه، وبسببه جرى عليه ما جرى.

وكانت خلافته عشرة أشهر وكان عمره ثلاثا وثمانين سنة. روى الحاكم في كتاب الفتن والملاحم من المستدرك، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه. قال: «كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم، فقال «١» : «هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون» . ثم قال صحيح الإسناد.

ثم روي أيضا عن عمرو بن مرة الجهني، وكانت له صحبة، أن الحكم بن أبي العاص، استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف صوته فقال «٢» : «ائذنوا له عليه وعلى من يخرج من صلبه لعنة الله إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يترفهون في الدنيا، ويضيعون في الآخرة ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق» . وسيأتي هذا إن شاء الله تعالى في باب الواو في لفظ الوزغ.

[خلافة عبد الملك بن مروان]

ثم قام بالأمر بعده ابنه عبد الملك. بويع له بالخلافة يوم موت أبيه مروان، وهو أول من سمي بعبد الملك في الإسلام، وأوّل من ضرب الدراهم والدنانير بسكة الإسلام. وكان على الدنانير نقش بالرومية، وعلى الدراهم نقش بالفارسية. قلت: ولهذا سبب وهو أني رأيت في كتاب المحاسن والمساوي، للإمام أبراهيم بن محمد البيهقي ما نصه قال الكسائي: دخلت على الرشيد ذات يوم، وهو في ديوانه، وبين يديه مال كثير، قد شق عنه البدر شقا. وأمر بتفريقه في خدمه الخاصة، وبيده درهم تلوح كتابته، وهو يتأمله وكان كثيرا ما يحدثني، فقال: هل علمت أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت: يا سيدي هو عبد الملك بن مروان. قال: فما كان السبب في ذلك؟ قلت: لا علم لي، غير أنه أوّل من أحدث هذه الكتابة. فقال: سأخبرك كانت القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانيا على دين ملك الروم، وكانت تطرز بالرومية، وكان طرازها أبا وابنا وروحا، فلم يزل ذلك كذلك صدر الإسلام كله، يمضي على ما كان عليه، إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>