المشهور. وأما الجن ففيهم النذر. وأما الآية فمعناها من أحد الفريقين، كقوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ
«١» وإنما يخرجان من الملح دون العذب. وقال منذر بن سعيد البلوطي: قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم من الجن، كانوا رسلا إلى قومهم، وقال مجاهد: النذر من الجن، والرسل من الإنس ولا شك أن الجن مكلفون في الأمم الماضية كما هم مكلفون في هذه الأمة لقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ
«٣» وقيل المراد: مؤمنوا الفريقين. فما خلق أهل الطاعة منهم إلا لعبادته، وما خلق الأشقياء إلا للشقاوة، ولا مانع من اطلاق العام وإرادة الخاص. وقيل: معناه إلا لآمرهم بعبادتي وأدعوهم إليها وقيل: إلا ليوحدون، فإن قيل: لم اقتصر على الفريقين ولم يذكر الملائكة؟ فالجواب أن ذلك لكثرة من كفر من الفريقين، بخلاف الملائكة فإن الله قد عصمهم كما تقدم، فإن قيل: لم قدّم الجن على الإنس في هذه الآية؟ فالجواب أن لفظ الإنس أخف لمكان النون الخفيفة والسين المهموسة، فكان الأثقل أولى بأوّل الكلام من الأخف لنشاط المتكلم وراحته.
[فرع:]
كان الشيخ عماد الدين بن يونس رحمه الله، يجعل من موانع النكاح اختلاف الجنس، ويقول: لا يجوز للإنسي أن يتزوج جنية لقوله «٤» تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً
فالمودة الجماع والرحمة الولد. ونص على منعه جماعة من أئمة الحنابلة. وفي الفتاوى السراجية: لا يجوز ذلك لاختلاف الجنس. وفي القنية سئل الحسن البصري عنه؟ فقال:
يجوز بحضرة شاهدين. وفي مسائل ابن حرب، عن الحسن وقتادة أنهما كرها ذلك. ثم روي بسند فيه ابن لهيعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن نكاح الجن» . وعن زيد العمى، أنه كان يقول: اللهم ارزقني جنية أتزوج بها تصاحبني حيثما كنت. وروى ابن عدي في ترجمة نعيم بن سالم بن قنبر مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن الطحاوي قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قدم علينا نعيم بن سالم مصر فسمعته يقول: تزوجت امرأة من الجن. فلم أرجع إليه. وروى في ترجمة سعيد بن بشير، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحد أبوي بلقيس كان جنيا» . وقال الشيخ نجم الدين القمولي: وفي المنع من التزوج نظر، لأن التكليف يعم الفريقين، قال: وقد رأيت شيخا كبيرا صالحا أخبرني أنه تزوج جنية. انتهى قلت: وقد رأيت أنا رجلا من أهل القرآن والعلم، أخبرني أنه تزوج أربعا من الجن، واحدة بعد واحدة. لكن يبقى النظر في حكم طلاقها، ولعانها، والإيلاء منها، وعدتها، ونفقتها، وكسوتها، والجمع بينها وبين أربع سواها، وما يتعلق بذلك.
وكل هذا فيه نظر لا يخفى. قال شيخ الإسلام شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: رأيت بخط الشيخ فتح الدين اليعمري، وحدثني عنه عثمان المقاتلي قال: سمعت الشيخ أبا الفتح القشيري