للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وله ملغزا في قفل وقد أجاد:

وأسود عار أنحل البرد جسمه ... ومازال من أوصافه الحرص والمنع «١»

وأعجب شيء كونه الدهر حارسا ... وليس له عين وليس له سمع

وله شعر جيد، وشعره عند أهل الصناعة يسمى السهل الممتنع. وكان متمكنا من الملك الصالح ولا يتوسط إلا بالخير، وكانت وفاته سنة ست وخمسين وستمائة رحمه الله تعالى.

ويقال: إذا صاح الغراب مرتين، فهو شر، وإذا صاح ثلاث مرات فهو خير على قدر عدد الحروف. ولما كان صافي العين حاد البصر سموه أعور. وقال الجاحظ: إنهم إنما سموه بالأعور تطيرا منه وتشاؤما به وليس به عور. وقيل: إنما سموه أعور تفاؤلا بالسلامة منه، كما سموا البرية بالمفازة، واليد الشمال باليسار.

والتطير أصله من الطير إذا مر بارحا أو سانحا أو قعيدا أو ناطحا، فالبارح ما أتى من ناحية الميامن والسانح، بالنون والحاء المهملة ما أتى من ناحية المياسر، والناطح ما تلقاك والقعيد ما استدبرك. وإنما كان الغراب هو المقدم عندهم في باب الشؤم، لأنه لما كان أسود ولونه مختلفا إن كان أبقع، ولم يكن على إبلهم شيء أشد من الغراب. وكان حديد البصر يخاف من عينيه كما يخاف من عين المعيان قدموه في باب الشؤم انتهى. وقيل: إنما سموه أعور لتغميض إحدى عينيه أبدا، من قوة بصره. قاله ابن الأعرابي، وسيأتي في الأمثال شيء من هذا.

[فائدة]

: قال صاحب العشرات: اسم الغراب من الأسماء المشتركة، يقع على الثلج وعلى الضفيرة من الشعر وعلى المعول وعلى رأس الورك وعلى الغراب نفسه. قال: أنشدني أبو عبد الله المهلبي، يعني نفطويه كنى عنه لأنه كان في زمانه، عن ثعلب عن ابن الأعرابي:

يا عجبا للعجب العجاب ... خمسة غربان على غراب

وقال ارسطاطاليس في النعوت: غراب البين جسمه أسود ومنقاره ورجلاه صفر، ومأكله من جميع النبات واللحوم. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن نقرة الغراب» «٢» . يريد بذلك تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه، إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. وروى البخاري في الأدب، والحاكم في المستدرك والبيهقي في الشعب، وابن عبد البر وغيرهم عن عبد الله بن الحارث الأموي، عن أمه ريطة بنت مسلم، عن أبيها، أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال: «ما اسمك» ؟ قلت: اسمي غراب. فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أنت مسلم» «٣» . وإنما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لأنه حيوان خبيث الفعل، خبيث المطعم، ولذلك أمر صلى الله عليه وسلم بقتله في الحل والحرم.

وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: «ما أسمك» ؟ قال: أصرم. قال: «بل أنت زرعة» . وإنما غيره لما فيه من معنى الصرم وهو القطع. قال أبو داود: وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم

<<  <  ج: ص:  >  >>