العاص وعزيز وعقلة وشيطان والحكم وحباب وشهاب وأرض تسمى عفرة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم خضرة. فالعاص كرهه لمعنى العصيان، وإنما صفة المؤمن الطاعة والاستسلام. وعزيز إنما غيره لأن العزة لله تعالى وشعار العبد الذلة والاستكانة، وقد قال الله تعالى عندما قرع بعض أعدائه:
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
«١» وعقلة معناه الشدة والغلظة، ومن صفة المؤمن اللين والسهولة. قال صلى الله عليه وسلم:«المؤمنون هينون لينون» . والشيطان اشتقاقه من البعد عن الخير. والحكم هو الحاكم الذي لا يرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله سبحانه وتعالى. والحباب اسم الشيطان، والشهاب اسم للشعلة من النار والنار عقوبة الله تعالى، وهي محرقة مهلكة، نسأل الله النجاة منها. وأما عفرة فهو نعت لأرض لا تنبت شيئا، فسماها خضرة على معنى التفاؤل لتخضر وتزرع.
وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن شبل، وليس له في الكتب الستة سواه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى المصلي عن نقرة الغراب»«٢» . ورواه الحاكم بلفظ «نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان كما يوطنه البعير» . يريد بنقرة الغراب تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.
وروى أبو يعلى الموصلي، والطبراني، في معجمه الأوسط، عن سلمة بن قيصر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صام يوما ابتغاء وجه الله، باعده الله من النار كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما» . وفي إسناده ابن لهيعة، وفيه كلام.
وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الإمام أحمد في الزهد والبزار، وفيه رجل لم يسم، وقد تقدم في باب الحاء المهملة، في لفظ الحية، ما رواه الدارقطني عن أبي أمامة قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم بخفيه ليلبسهما فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورمى به فخرجت منه حية فقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما»«٣» وفي إسناده هشام بن عمر، وذكره ابن حبان في الثقات وهو حديث صحيح إن شاء الله تعالى. وقد تقدم في الأسود السالخ حديث نظير هذا.
وروى الإمام أحمد في الزهد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه كان إذا نعب الغراب قال: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك. وروينا عن ابن طبرزذ، بإسناده إلى الحكم بن عبد الله بن حطان عن الزهري، عن أبي واقد عن روح بن حبيب قال:
بينما أنا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه، إذ أتي بغراب، فلما رآه بجناحين حمد الله تعالى ثم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما صيد قط صيد إلا بنقص من تسبيح، ولا أنبت الله تعالى نابتة إلا وكل بها ملكا يحصي تسبيحها حتى يأتي به يوم القيامة، ولا عضدت شجرة ولا قطعت، إلا بنقص من تسبيح، ولا دخل على امرىء مكروه إلا بذنب، وما عفا الله عنه أكثر» . يا غراب اعبد الله، ثم خلى سبيله. وسيأتي نظير هذا في لفظ القسورة، من كلام عمر رضي الله تعالى عنه.