كفايته، ثم حمد الله تعالى وقام وجلس مكانه أولا، فخرجت عليه، فقالت له: يا سلطان بعد ثلاثة أيام أما صد عنك هذا الذهب والفضة والجوهر سلطان الجوع؟ وقد أغناك عن هذا كله ما قيمته درهم واحد؟ فمالك والتعرض إلى أموال الناس، وأنت بهذه المثابة؟ فقال لها الاسكندر:
لك بلادك وأموالك، ولا بأس عليك بعد اليوم، فقالت له: أما إذا فعلت هذا فإنك لا تخسر، ثم إنها قدمت له جميع ما كانت قد أحضرته، وكان شيئا يحير الناظر، ويذهل الخاطر، ومن المواشي شيئا كثيرا. فنزل إلى عسكره، وقبل هديتها ورحل عنها. وذكر غيره أنه كان في الهدية ثلاثمائة فيل، وأنه دعاها إلى الله تعالى فآمنت وآمن أهل مملكتها.
[غريبة]
: ذكر صاحب النشوان أن خارجيا خرج على ملك الهند، فأنفذ إليه الجيوش، فطلب الأمان فأمنه فسار الخارجي إلى الملك، فلما قرب من بلد الملك، أمر الملك الجيش بالخروج إلى لقائه، فخرج الجيش بآلات الحرب، وخرجت العامة تنتظر دخوله، فلما أبعدوا في الصحراء، وقف الناس ينتظرون قدوم الرجل، فأقبل وهو راجل في عدة رجال، وعليه ثوب ديباج ومئزر في وسطه، جريا على زي القوم، فتلقوه بالإكرام، ومشوا معه حتى انتهى إلى فيلة عظيمة، قد أخرجت للزينة، وعليها الفيالون، وفيها فيل عظيم يختصه الملك لنفسه، ويركبه في بعض الأوقات، فقال له الفيال لما قرب منه: تنح عن طريق فيل الملك، فلم يبد له جوابا، فأعاد عليه القول، فلم يبد له جوابا، فقال له: يا هذا احذر على نفسك وتنح عن طريق فيل الملك، فقال له الخارجي: قل لفيل الملك يتنحى عن طريقي، فغضب الفيال وأغرى الفيل به بكلام كلمه به، فغضب الفيل وعدا إلى الخارجي، ولف خرطومه عليه، وشاله الفيل شيلا عظيما، والناس يرونه ثم خبط به الأرض، فإذا هو قد وقع منتصبا على قدميه قابضا على خرطوم الفيل، فزاد غضب الفيل فشاله الثانية، أعظم من الأولى، وعدا ثم رمى به الأرض فإذا هو قد حصل مستويا على قدميه، منتصبا قابضا على الخرطوم، ولم ينح يده عنه فشاله الفيل الثالثة، وفعل به مثل ذلك فحصل على الأرض منتصبا قابضا على الخرطوم، وسقط الفيل ميتا، لأن قبضه على الخرطوم تلك المدة منعه من التنفس فقتله. فأخبر الملك بذلك، فأمر بقتله، فقال له بعض وزرائه: يجب أيها الملك أن يستبقى مثل هذا، ولا يقتل فإن فيه جمالا للمملكة، ويقال إن للملك خادما، قتل فيلا بقوته وحيله، من غير سلاح، فعفا عنه واستبقاه.
وذكر الطّرطوشي «١» وغيره أن الفيل دخل دمشق، في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، فخرج أهل الشام لينظروه لأنهم لم يكونوا رأوا الفيل قبل ذلك، وصعد معاوية سطح القصر للفرجة، فلاحت منه التفاتة، فرأى رجلا مع بعض حظاياه في بعض حجر القصر، فنزل مسرعا إلى الحجرة، فطرق بابها فقيل: من؟ قال: أمير المؤمنين، ففتح الباب، إذ لا بد من فتحه طوعا أو كرها، فدخل أمير المؤمنين معاوية فوقف على رأس الرجل وهو منكس رأسه، وقد خاف خوفا عظيما، فقال له معاوية: يا هذا ما الذي حملك على ما صنعت من دخولك قصري،