ميمون بن مهران، أنه قال: بلغني أن تحت العرش ملكا في صورة ديك، براثنه من لؤلؤة وصيصته من زبرجد أخضر، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم القائمون، فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم المصلون، فإذا طلع الفجر ضرب بجناحيه وزقا وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم ومعنى زقا صاح.
[نكتة:]
كان سهل بن هارون بن راهويه، في خدمة المأمون، وكان حكيما فصيحا شاعرا فارسي الأصل شيعي المذهب، شديد التعصب على العرب، وله مصنفات عديدة في الأدب وغيره، وكان الجاحظ يصف براعته وحكمته وشجاعته في كتبه، وكان إليه النهاية في البخل وله فيه حكايات عجيبة: فمن ذلك قال دعبل: كنا عنده يوما فأطلنا القعود، حتى كاد يموت جوعا، ثم قال: ويحك يا غلام غدنا! فأتاه بقصعة فيها ديك مطبوخ، فتأمله ثم قال أين الرأس يا غلام؟
قال: رميت به. فقال: إني والله لأمقت من يرمي برجله، فكيف برأسه؟ ولو لم يكن فيما فعلت إلا الطيرة والفأل لكراهته، أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصرخ الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذي يتبرك به، وعينه التي يضرب بها المثل في الصفاء، فيقال:«شراب كعين الديك» . ودماغه عجب لوجع الكليتين، ولم ير عظم أهش تحت الأسنان منه، وهب أنك ظننت أني لا آكله أو ليس العيال كانوا يأكلونه؟ فإن كان قد بلغ من نبلك أنك لا تأكله، فعندنا من يأكله، أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح، ومن رأس العنق؟ انظر لي أين هو؟ فقال:
والله ما أدري أين هو، ولا أين رميت به. فقال: رميته في بطنك قاتلك الله.
[الحكم]
: يحل أكله لما تقدم في الدجاج، ويكره سبه لما تقدم في حديث زيد بن خالد الجهني، ويجوز اعتماد الديك المجرب في أوقات الصلوات كما تقدم قريبا. قال أصبغ بن زيد الواسطي: كان لسعيد بن جبير ديك يقوم في الليل بصياحه، فلم يصح ليلة حتى أصبح فلم يصل سعيد تلك الليلة فشق ذلك عليه، فقال: ماله قطع الله صوته؟ فلم يسمع له صوت بعد ذلك. وفي مناقب إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى، أن رجلا سأله عن رجل خصى ديكا له، فقال: عليه أرشه. وفي الكامل. في ترجمة عبد الله بن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم:«نهى عن خصاء الديك والغنم والخيل. وقال «١» : «إنما النماء في الخيل» . وتحرم المنافرة بالديكة. وسيأتي ما ورد في ذلك من النهي في باب الكاف، في المناطحة بالكباش، في لفظ الكبش إن شاء الله تعالى.
[الأمثال:]
قالوا «٢» : «أشجع من ديك»«وأسفد من ديك «٣» » .
[فائدة:]
روى «٤» مسلم وغيره أن عمر رضي الله عنه خطب الناس يوما فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: إني رأيت رؤيا لا أراه إلا لحضور أجلي وهي أن ديكا نقرني ثلاث نقرات، وفي لفظ رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرة أو نقرتين. فحدثتها أسماء بنث عميس رضي الله عنها فحدثتني بأن يقتلني رجل من الأعاجم. وكان هذا القول منه يوم الجمعة فطعن يوم الأربعاء