وجلوسك مع بعض حرمي؟ أما خفت نقمتي؟ أما خشيت سطوتي؟ أخبرني يا ويلك، ما الذي حملك على ذلك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، حملني على ذلك حلمك. فقال له معاوية: أرأيت إن عفوت عنك تسترها علي، فلا تخبر بها أحدا؟ قال: نعم. فعفا عنه ووهب له الجارية، وما في حجرتها وكان شيئا له قيمة عظيمة. قال الطرطوشي: فانظر إلى هذا الدهاء العظيم والحلم الواسع كيف طلب الستر من الجاني انتهى.
[فائدة]
: لما كان أول المحرم سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذي القرنين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ حملا في بطن أمه، حضر أبرهة الأشرم ملك الحبشة يريد هدم الكعبة، وكان قد بنى كنيسة بصنعاء، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من بني كنانة، فقعد فيها ليلا فأغضبه ذلك، وحلف ليهدمن الكعبة، فخرج ومعه جيش عظيم، ومعه فيله محمود، وكان قويا عظيما، واثنا عشر فيلا غيره، وقيل: ثمانية. فلما بلغ المغمس، وهو على ثلثي فرسخ من مكة، مات دليلة أبو رغال هناك، فرجمت العرب قبره. والناس يرجمونه إلى الآن. وروى أبو علي بن السكن، في سننه الصحاح، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان بمكة، وأراد أن يقضي حاجة الإنسان، خرج إلى المغمس.
ثم إن أبرهة بعث خيلا له إلى مكة، فأخذت مائتي بعير لعبد المطلب، فهم أهل الحرم بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به فتركوه. وبعث أبرهة إلى أهل مكة يقول لهم: إني لم آت لحربكم وإنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تتعرضوا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم! فقال عبد المطلب لرسوله: والله لا نريد حربه، وما لنا من حاجة، هذا بيت الله وبيت خليله ابراهيم صلى الله عليه وسلم فهو يحميه ممن يريد هدمه.
ثم خرج عبد المطلب إلى أبرهة، وكان عبد المطلب جسيما وسيما ما رآه أحد إلا أحبه، وكان مجاب الدعوة، فقيل لأبرهة: هذا سيد قريش الذي يطعم الناس في السهل، ويطعم الوحش والطير في رؤوس الجبال، فلما رآه أجله وأجلسه معه على سريره. ثم قال لترجمانه: قل له:
سل حاجتك. فقال: حاجتي أن يرد الملك علي مائتي بعير أصابها لي. فلما قال ذلك، قال له أبرهة: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني! أتكلمني في مائتي بعير وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه فلم تكلمني فيه؟ فقال عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه منك. قال أبرهة: ما كان ليمتنع مني. فقال عبد المطلب: أنت وذاك. فرد أبرهة على عبد المطلب إبله، ثم انصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة إلى الجبال والشعاب، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ودعا الله تعالى ثم قال «١» :