للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتوكل: كيف أحسنت؟ قال: أحسنت إلى العصفور، ويروى عن الجنيد، أنه قال: أخبرني محمد بن وهب عن بعض أصحابه أنه حج مع أيوب الجمال قال: فلما دخلنا البادية، وسرنا منازل، إذ بعصفور يحوم حولنا، فرفع أيوب رأسه إليه وقال له: قد جئت إلى هنا! فأخذ كسرة خبز ففتها في كفه فانحط العصفور وقعد على كفه، فأكل منها ثم صب له ماء فشربه، ثم قال له: اذهب الآن فطار العصفور، فلما كان من الغد، رجع العصفور، ففعل أيوب مثل فعله في اليوم الأول، فلم يزل كل يوم يفعل به مثل ذلك، إلى آخر السفر. ثم قال أيوب: أتدري ما قصة هذا العصفور؟

قال: لا. قال: إنه كان يجيئني في منزلي كل يوم، فكنت أفعل به في ما رأيت، فلما خرجنا تبعنا يطلب منا ما كنت أفعل به في المنزل.

روى البيهقي وابن عساكر، بسندهما إلى أبي مالك، قال: مر سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبي الله؟ قال: يخطبها لنفسه، ويقول: تزوجيني أسكنك أي قصور دمشق شئت. قال سليمان: وإنه عرف أن قصور دمشق مبنية بالصخر، لا يقدر أن يسكنها، لكن كل خاطب كذاب. وسيأتي إن شاء الله تعالى له نظير، في باب الفاء، في الفاختة، وكان سليمان عليه السلام يعرف ما يتخاطب به الطيور بلغاتها، ويعبر للناس عن مقاصدها وإرادتها كما تقدم في باب الطاء المهملة، في الطيطوي. قال الله تعالى حكاية عنه: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ

«١» وكذلك كان يعرف لغات ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات.

[فائدة]

: روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت، حين توفي صبي من الأنصار، بين أبوين مسلمين: طوبى له عصفور من عصافير الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو غير ذلك أن الله تعالى خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم» «٢» ومن الناس من قدح في هذا الحديث بأنه من رواية طلحة بن يحيى وهو متكلم فيه. والصواب صحته وهو في صحيح مسلم ولكنه صلى الله عليه وسلم نهانا عن المسارعة إلى القطع، أو أنه قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة كذا. قال بعضهم: وليس بصحيح لأن سورة الطور مكية ودلت على تبعيتهم، أو أن قطع عائشة بذلك قطع بايمان أبويه، ويحتمل أن يكونا منافقين، فيكون الصبي ابن كافرين. وروى ابن قانع، في ترجمة الشريد بن سويد الثقفي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «٣» : «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة، فقال: يا رب عبدك قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة» . وروى في حديث آخر أن رجلا من أهل الصفة استشهد، فقالت له أمه:

هنيئا لك عصفور من عصافير الجنة، هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتلت في سبيل الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا ينفعه ويمنع ما لا يضره» .

وروى البيهقي في الشعب، عن مالك بن دينار، قال: مثل قراء هذا الزمان، مثل رجل نصب فخا، فجاء عصفور فوقع في فخه فقال: ما لي أراك مغيبا في التراب؟ قال: للتواضع،

<<  <  ج: ص:  >  >>