لقاءه، وكان مستقلا بالأمور في العراق، متمكنا من الخلافة، يتولى الأمور بنفسه. وما زال في عز وجلالة، واستظهار وسعادة، أظهر القسي والبندق والحمام في أيامه وهو أطول بني العباس خلافة وكان له عيون على كل سلطان، يأتونه بالأخبار. ويحكى أن بعض الكبار كان يعتقد فيه أن له كشفا، وإطلاعا على المغيبات وفي آخر أيامه أصابه الفالج بقي معه سنتين وذهب عنه وكان فيه عسف للرعية.
[خلافة الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله]
ثم قام بالأمر بعده، ابنه محمد الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله. بويع له بالخلافة يوم موت أبيه، فعمل عزاءه ثلاثة أيام وأحسن إلى الناس وأبطل المكوس وأزال المظالم، وأرسل الخلع إلى أولاد الملك العادل أبي بكر بن أيوب، ثم إن حاجبه قرايغدي بلغه أنه يريد قتله، فهجم عليه وامسكه وأشهد عليه بالخلع، وقتله فعمل له العزاء في البلاد كلها لأجل إحسانه إليهم. وكان ذلك في سنة أربعين وستمائة، وهو ابن ثلاثين سنة. وكانت خلافته ثماني عشرة سنة. هكذا لقيت هذه الترجمة في النسخة التي نقلت منها وفيها تخليط لأنها تحتوي على بعض ترجمة الظاهر بأمر الله وبعض ترجمة المستنصر بالله وأظن أن ذلك من الناسخ. وهذه ترجمة كل واحد منهما على حدته والله الموفق.
فالظاهر بأمر الله، هو أبو النصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بنور الله حسن بن أبي الحسن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد العباسي. كان أبوه قد خطب له بولاية العهد، فلما توفي تسلم الخلافة، وبايعه الكبار في يوم موته.
وكان مولد في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ووفاته في ثالث عشر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وله اثنتان أو ثلاث وخمسون سنة، وكانت خلافته تسعة أشهر، وقيل نصفا.
وكان جميل الصورة أبيض مشربا بحمرة، حلو الشمائل شديد القوى، فيه دين وعقل ووقار، وخير وعدل، حتى بالغ فيه ابن الأثير فقال: لقد أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سنة العمرين. قيل له: ألا تتفسح وتتنزه؟ فقال لقد يبس الزرع. فقيل له يبارك الله في عمرك.
فقال: من فتح دكانه بعد العصرايش يكسب؟ ثم قال: إنه أحسن إلى الرعبة، وبذل الأموال وأزال المظالم، وأبطل المكوس، وكان يقول: الجمع شغل التجار، أنتم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، اتركوني أفعل الخير فيكم ما بقيت أعيش. وقد فرق ليلة العيد مائة ألف دينار على العلماء والصالحين.
والمستنصر بالله هو أبو جعفر، منصور بن الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله العباسي، أمه تركية. ولد في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وبويع له بالخلافة بعد موت أبيه، بايعه إخوته، وكان أكبرهم، وبنو عمه، وهو إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة. مات في بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الثانية، سنة أربعين وستمائة. وكان مليح الشكل كأبيه، وكان أشقر ضخما قصيرا، وخطه