والضبع، فإن كان الولد ذكرا، وقع على البقرة فتأتي بالزرافة، وذلك في بلاد الحبشة، ولذلك قيل لها الزرافة، وهي في الأصل الجماعة، فلما تولدت من جماعة، قيل لها ذلك، والعجم تسميها «اشتركا» و «يلنك» لأن اشتر الجمل وكاو البقرة ويلنك الضبع.
وقال قوم: إنها متولدة من حيوانات مختلفة، وسبب ذلك اجتماع الدواب والوحوش في القيظ، عند المياه، فتتسافد فيلقح منها ما يلقح، ويمتنع منها ما يمتنع، وربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة، فتختلط مياهها فيأتي منها خلق مختلف الصور والألوان والأشكال. والجاحظ لا يرضى هذا القول، ويقول: إنه جهل شديد، لا يصدر إلا ممن لا تحصيل لديه، لأن الله تعالى يخلق ما يشاء، وهو نوع من الحيوان قائم بنفسه، كقيام الخيل والحمير، ومما يحقق ذلك أنه يلد مثله وقد شوهد ذلك وتحقق.
[وفي حكمها وجهان]
: أحدهما التحريم، وبه جزم صاحب التنبيه وفي شرح المهذب للنووي أنها محرمة بلا خلاف، وأن بعضهم عدها من المتولد بين المأكول وغيره وقال بتحريمها القاضي أبو الخطاب من الحنابلة، والثاني الحل، وبه أفتى الشيخ تقي الدين بن أبي الدم «١» الحموي، ونقله عن فتاوي القاضي حسين وذكر أبو الخطاب ما يوافق الحل فإنه حكى في فروعه قولين في أن الكركي والبط والزرافة، هل تفدى بشاة أو تفدى بالقيمة؟ والفداء لا يكون إلا للمأكول. قال ابن الرفعة: وهو المعتبر، كما أفتى به البغوي قال: ومنهم من أول لفظها وقال: ليست الزرافة بالفاء بل بالقاف. قال الشيخ تقي الدين السبكي: هذا التعليل ليس بشيء لأنه لا يعرف. واختار في الحلبيات حلها كما أفتى به ابن أبي الدم، ونقله عن القاضي حسين وتتمة التتمة قال: وما ادعاه النووي ممنوع وما ادعاه أبو الخطاب الحنبلي يجوز حمله على جنس يتقوى بنابه، وأما هذا الذي شاهدناه فلا وجه للتحريم فيه. وما برحت أسمع هذا بمصر وقال ابن أبي الدم، في شرح التنبيه:
وما ذكره الشيخ في التنبيه غير مذكور في كتب المذهب.
وقد ذكر القاضي حسين أنها تحل ثم قال: قلت هذا مع أنها أقرب شبها بما يحل، وهو الإبل والبقر، وذلك يدل على حلها ويمكن أن يقال: إنما ذكر الشيخ ذلك اعتمادا على ما ذكر أهل اللغة أنها من السباع، وتسميتهم لها بذلك تقتضي عدم الحل، وإذا كان كذلك فقد ذكر صاحب كتاب العين أن الزّرافة بفتح الزاي وضمها من السباع ويقال لها بالفارسية «اشتركا» و «يلنك» . وقد ذكر في موضع آخر أن الزرافة متولدة بين الناقة الوحشية والضبع، فيجيء الولد في خلقة الناقة والضبع، فإن كان الولد ذكرا عرض للأنثى من بقر الوحش فيلحقها، فتأتي بالزرافة. وسميت بذلك لأنها جمل وناقة، ولما كان كذلك وسمع الشيخ أنها من السباع اعتقد أنها من السباع حقيقة ولم يكن رآها فاستدل بذلك على تحريم أكلها انتهى. وقد تقدم أن الجاحظ لم يرتض هذا القول، وقال «٢» إن هذا القول جهل بين، وإن الزرافة نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحمير.