أربع وخمسين ومائة، بعد أن عذبه وأخذ أمواله وكان قد تمكن من المنصور، غاية التمكن لاحسان فعله مع المنصور قبل خلافته ثم أبغضه، وهم أن يوقع به وتطاول ذلك، وكان كلما دخل عليه ظن أنه سيوقع به ثم يخرج سالما.
قيل: إنه كان معه شيء من الدهن قد عمل فيه سحرا فكان يدهن حاجبيه إذا دخل على المنصور، فصار مثلا في العامة يقولون: دهن أبي أيوب قال في الجواهر الزواهر. وكان المنصور يوده كثيرا ويتبسم إليه وأنشد على ذلك لناصح الدين سعيد بن الدهان «١» سيبويه عصره في النحو قوله: «٢»
لا تجعل الهزل دأبا فهو منقصة ... والجد تعلو به بين الورى القيم «٣»
ولا يغرنك من ملك تبسمه ... ما سحت السحب إلا حين تبتسم
ومن محاسن شعره قوله «٤» :
بادر إلى العيش والأيام راقدة ... ولا تكن لصروف الدهر تنتظر
فالعمر كالكأس يبدو في أوائله ... صفو وآخره في قعره كدر
وله أيضا «٥» ويقال إنه لابن طباطبا الطالبي:
تأمل نحولي والهلال إذا بدا ... لليلته في أفقه أينا أضنى
على أنه يزداد في كل ليلة ... نموّا وجسمي بالضنى دائما يفنى
وله أيضا:
والله لولا أن يقال تغيرا ... وصبا وإن كان التصابي أجدرا
لا عدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبرا
وكانت وفاته سنة تسع وستين وخمسمائة قال الغزنوي: الترائب جمع تريبة وهو موضع القلادة من الصدر، وزاد الكواشي وقيل: الصدر وقيل: النحر وقيل: أطراف الرجل.
[الخواص:]
مرارته من اكتحل بها أمن من نزول الماء في عينيه. وإن شربت امرأة من زرق البازي مدافا بماء أعان على الحبل، وإن كانت عاقرا.
وأما الباشق فدماغه ينفع من الخفيقان العارض من السوداء، إذا سقي منه وزن درهم بماء ورد، ومرارته تنفع من ظلمة العين اكتحالا.