وروى ابن عساكر، في تاريخه عن بعض أصحاب الشبلي، أنه رآه في النوم، بعد موته فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: أوقفني بين يديه وقال: يا أبا بكر أتدري بماذا غفرت لك؟
فقلت: بصالح عملي. فقال: لا. قلت: باخلاصي في عبوديتي، قال: لا. قلت: بحجي وصومي وصلاتي. قال: لم أغفر لك بذلك. فقلت: بهجرتي إلى الصالحين، وإدامة أسفاري في طلب العلوم. فقال: لا. فقلت: يا ربي هذه المنجيات التي كنت أعقد عليها خنصري، وظني أنك بها تعفو عني وترحمني. فقال: كل هذه لم أغفر لك بها، فقلت: إلهي فبماذا؟ قال: أتذكر حين كنت تمشي في دروب بغداد، فوجدت هرة صغيرة، قد أضعفها البرد، وهي تنزوي من جدار إلى جدار من شدة البرد والثلج، فأخذتها رحمة لها، فأدخلتها في فرو كان عليك وقاية لها من ألم البرد؟
فقلت: نعم. فقال: برحمتك لتلك الهرة رحمتك.
وأبو بكر الشبلي اسمه دلف بن جحدر، وقيل جعفر بن يونس الخراساني، كان سيدا صالحا محدثا، مالكي المذهب، صحب الجنيد رضي الله تعالى عنه، وكان في ابتداء أمره واليا على دنباوند، فتاب في مجلس خير النساج، وكانت له خطفات وسكرات وغرقات توجب تلك الغرقات شطحات، فقام عذره فيها ودخل على الجنيد يوما فوقف بين يديه وصفق وأنشد يقول «١» :.
عودوني الوصال والوصل عذب ... ورموني بالصدّ والصدّ صعب
زعموا حين أزمعوا أن ذنبي ... فرط حبي لهم وما ذاك ذنب
لا وحقّ الخضوع عند التلاقي ... ما جزا من يحب ألا يحب
فأجابه «٢» الجنيد رحمه الله تعالى:
وتمنيت أن أراك ... فلمّا رأيتكا
غلبت دهشة السرور ... فلم أملك البكا
ومن شعر «٣» الشبلي رحمه الله تعالى:
مضت الشبيبة والحبيبة فانبرى ... دمعان في الأجفان يزدحمان
ما أنصفتني الحادثات رمينني ... بمودعين وليس لي قلبان
توفي الشبلي، رحمه الله في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وله سبع وثمانون سنة.
وفي كامل ابن عدي، في ترجمة أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، أنه روى «٤» عن عروة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم تمر به الهرة فيصفي لها الإناء فتشرب، ثم يتوضأ بفضلها. قال: وكان أبو يوسف يقول: من طلب غرائب الحديث كذب، ومن طلب المال بالكيمياء افتقر، ومن طلب الدين بالكلام تزندق.