وقولهم: ما نهي عن قتله فحرام، يعنون به ما نهي عن قتله إكراما له. قال «١» : الخطابي:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الهدهد كرامة له، لأنه أطاع نبيا لا أنه حرام ونقله عنه العبادي وقضيته ترجيح وجه القائل بحل الصرد لأن النهي عن قتله لأمر خارج عنه لا لمعنى فيه، ولما كانت هذه القواعد غير تامة لجميع الحيوان، ذكر الأصحاب قاعدة عامة وهي الاستطابة والاستخباث، وعليها مدار الباب. قال الرافعي: من الأصول المرجوع إليها في التحريم والتحليل الاستطابة والاستخباث. ورآه الشافعي والأصل العظيم المعتمد فيه قوله «٢» تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ
وليس المراد بالطيب هنا الحلال. وإن كان قد يرد الطيب بمعنى الحلال، لأن الحمل عليه يخرج الآية عن الإفادة.
قال الأئمة: ويبعد الرجوع إلى طبقات الناس، وتنزيل كل قوم على ما يستطيبونه ويستخبثونه، لأن ذلك يوجب اختلاف الأحكام في الحلال والحرام، وذلك يخالف موضوع الشرع في حمل الناس على شرع واحد، ورأوا العرب أولى الأمم بأن يؤخذ باستطابتهم واستخبائهم، لأنهم المخاطبون أولا والدين عربي والنبي صلى الله عليه وسلم عربي، وإنما يرجع إلى سكان البلاد والقرى دون أجلاف سكان البوادي الذين يأكلون مادب ودرج من غير تمييز، مع اعتبار حالة اليسار والثروة دون المحتاجين وأصحاب الضرورات، وحالتي الخصب والرفاهية دون حالتي الجدب والشدة.
وقال بعضهم: المعتبر الرجوع إلى عادة العرب الذين كانوا في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب كان لهم.
ويشبه أن يقال: يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه. ويدل لهذا التوجيه ما تقدم، في باب العين المهملة، في لفظ العضاري، عن أبي عاصم العبادي، أنه حكى عن الأستاذ أبي طاهر الزيادي أنه قال: كنا نرى العضاري حراما ونفتي بتحريمه، حتى ورد علينا الأستاذ أبو الحسن الماسرجيني فقال: إنه حلال، فبعثنا منه جوابا إلى البادية وسألنا العرب عنه فقالوا: هذا هو الجراد المبارك، فرجعوا إلى قول العرب فيه. وإذا اختلف المرجوع إليهم فاستطابته طائفة واستخبثته طائفة اتبعنا الاكثرين، فإن استوت الطائفتان، قال المارودي في الحاوي، وأبو الحسن العبادي: إنه يتبع قريش، لأنهم قطب العرب وفيهم النبوة، فإن اختلفت قريش أو لم يحكموا بشيء، اعتبر أقرب الحيوانات شبها به. والشبه يكون تارة في الصورة وتارة في الطبع من السلامة والعدوان، وأخرى في طعم اللحم، فإن تساوى الشبه أو لم يوجد ما يشبه ففيه وجهان انتهى.
زاد في الحاوي هما من اختلاف أصحابنا في أصول الأشياء، قبل ورود الشرع هل هي على الإباحة أو الحظر؟ أحد الوجهين أنها على الإباحة حتى يرد الشرع بالحظر انتهى. قال أبو العباس: إذا وجد حيوان لا يعرف حاله عرض على العرب، فإن سموه باسم ما يحل حل، وإن سموه باسم ما يحرم حرم، وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بأقرب الأشياء شبها من الذي يحل أو يحرم. وعلى هذا نص الشافعي، رحمه الله تعالى.
وقال الرافعي: وفي استصحاب حكم ما ثبت تحريمه في شرع من قبلنا قولان أحدهما: نعم