أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يوشك أن يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة» . قال الترمذي: حديث حسن. قال: وقد روي عن سفيان ابن عيينة أنه قال: هو مالك بن أنس انتهى.
والحديث المذكور رواه النسائي والحاكم، في أوائل المستدرك من حديث ابن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «١» : «يوشك أن تضربوا أكباد الإبل فلا تجدوا عالما أعلم من عالم المدينة» ثم قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه انتهى.
قلت: إنما لم يخرجه مسلم لأنه سأل البخاري عنه فقال: له علة وهي أن أبا الزبير، لم يسمع من أبي صالح، ولما روى النسائي، في السنن الكبرى هذا الحديث، من رواية ابن عيينة، عن ابن جريج عن أبي الزناد، عن أبي هريرة عقبه بقوله: هذا خطأ. والصواب عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة وقيل: عالم المدينة عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني الزاهد، روى عنه ابن عيينة وابن المبارك وغيرهما. وكان من أزهد أهل زمانه وأشدهم تخليا للعبادة. وروي أن الرشيد قال: والله إني أريد الحج كل سنة، ما يمنعني من ذلك إلا رجل من ولد عمر رضي الله عنه يسمعني ما أكره يعني العمري. توفي العمري سنة أربع وثمانين ومائة بعد مالك بنحو ست سنين وهو ابن ست وستين سنة.
قال عمر بن شبة: حدثنا أبو يحيى الزهري، قال: قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته: بنعمة ربي أحدث، لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي، لا يمنعني من أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها ما أزلتها، وكتب العمري إلى مالك وابن أبي ذئب وابن دينار وغيرهم بكتب، أغلظ لهم فيها، فجاوبه مالك جواب فقيه. قال ابن عبد البر، في التمهيد: كتب العمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، ويرغبه به عن الاجتماع عليه في العلم، فكتب إليه مالك أن الله عز وجل قسم الأعمال، كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر. ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم الله له والسلام.
وفي الإحياء، في الباب السادس من أبواب العلم، يحكى أن يحيى بن يزيد النوفلي، كتب إلى مالك بن أنس: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد في الأولين والآخرين من يحيى بن يزيد إلى مالك بن أنس، أما بعد فقد بلغني أنك تلبس الرقاق، وتأكل الرقاق، وتجلس على الوطاء، وتجعل على بابك حجابا، وقد جلست مجلس العلم، وضربت إليك آباط المطي، وارتحل إليك الناس، فاتخذوك إماما ورضوا بقولك، فاتق الله يا مالك، وعليك بالتواضع. كتبت إليك بالنصيحة مني كتابا، ما اطلع عليه إلا الله والسلام.