للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصيبا فرويدا يا ابن بنانة فلو التقت حلقتا البطان، ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك، ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء، فطالما تركتم الحق وأخذتم في الباطل، ومن وراء ذلك ما أرجو أن أكون رأيته من بيع رقبتك، وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل، فإن لكل فيك حقا.

والسلام على من اتبع الهدى، ولا ينال سلام الله القوم الظالمين.

وروي أنه وقع في زمانه غلاء عظيم، فقدم عليه وفد من العرب، فاختاروا رجلا منهم لخطابه فتقدم إليه وقال: يا أمير المؤمنين إنا وفدنا إليك من ضرورة عظيمة، وراحتنا في بيت المال، وماله لا يخلو من أن يكون لله أو لعباده أو لك، فإن كان لله فالله غني عنه، وإن كان لعباده فآتهم إياه، وإن كان لك فتصدق به علينا، إن الله يجزي المتصدقين. فتغرغرت عينا عمر رضي الله تعالى عنه بالدموع، وقال: هو كما ذكرت، وأمر بحوائجهم فقضيت فهم الأعرابي بالإنصراف، فقال عمر: أيها الرجل كما أوصلت حوائج عباد الله إليّ، فأوصل حاجتي وأرفع فاقتي إلى الله. فقال الأعرابي: إلهي اصنع بعمر بن عبد العزيز، كصنيعه في عبادك فما استتم كلامه حتى ارتفع غيم عظيم، وأمطرت السماء مطرا كثيرا فجاء في المطر بردة كبيرة، فوقعت على جرة فانكسرت، فخرج منها كاغد مكتوب فيه: هذه براءة من الله العزيز الجبار لعمر بن عبد العزيز من النار.

قال رجاء بن حيوة: كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، من أعظم الناس، وأجملهم في مشيته ولبسه، فلما استخلف قومت ثيابه وعمامته، وقميصه وقباؤه، وخفاه ورداؤه، فإذا هن يعدلن إثني عشر درهما.

وذكر ابن عساكر وغيره، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، كان قد شدد على أقاربه، وانتزع كثيرا مما في أيديهم، فتبرموا به وسموه، ويروى أنه دعا بخادمه الذي سمه، فقال له: ويحك ما حملك على أن سقيتني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها. قال: هاتها فجاء بها فأمر بطرحها في بيت مال المسلمين، وقال لخادمه: أخرج بحيث لا يراك أحد.

وعن فاطمة بنت عبد الملك، زوج عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، أنها قالت:

والله ما اغتسل عمر من حلم ولا من جنابة منذ ولي هذا الأمر، وكان نهاره في أشغال الناس، ورد المظالم وليله في عبادة ربه تعالى. قال مسلمة بن عبد الملك: دخلت على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، أعوده في مرضه الذي مات فيه، فإذا عليه قميص وسخ، فقلت لفاطمة بنت عبد الملك: يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين، فقالت نفعل إن شاء الله تعالى، ثم عدت فإذا القميص على حاله، فقلت: يا فاطمة ألم آمرك أن تغسلي قميص أمير المؤمنين؟ فإن الناس يعودونه. فقالت: والله ماله قميص غيره. وكان عمر رضي الله تعالى عنه كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات:

نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم

يغرك ما يفنى وتفرح بالمنى ... كما غر بالذات في النوم حالم

وشغلك فيما تكره غبة ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم

<<  <  ج: ص:  >  >>