الصبية، وعولجت فشفيت وشبت وطلعت من أجمل نساء عصرها، وكانت تبغي فأتت ساحلا من سواحل البحر، وأقامت هناك تبغي.
ولبث الرجل ما شاء الله، ثم قدم ذلك الساحل، ومعه مال كثير، فقال لامرأة من أهل ساحل البحر: ابتغي لي أجمل امرأة في القرية أتزوجها، فقالت: ههنا امرأة من أجمل الناس ولكنها بغي! فقال: ائتيني بها. فأتتها فقالت: قد قدم رجل له مال كثير وقال لي كذا وكذا فقلت كذا وكذا. فقالت: إني قد تركت البغاء، ولكن إن أراد تزوجته. قال: فتزوجها فوقعت منه موقعا عظيما، وأحبها حبا شديدا، فبينما هو يوما عندها، إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية، وأرته الشق في بطنها. ثم قالت: وقد كنت أبغي، فما أدري بمائة أو أقل أو أكثر. قال: فإنه قد قال لي يكون موتها بالعنكبوت، فبنى لها برجا في الصحراء وشيده، فبينما هو وإياها يوما في ذلك البرج إذا عنكبوت في السقف، فقال: هذا عنكبوت، فقالت: هذا يقتلني لا يقتله أحد غيري فحركته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه، فشدخته فساح سمه بين أظفارها ولحمها، فاسودت رجلها وماتت. فأنزل الله تعالى هذه الآية «١» أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ
. وقال أكثر المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا. فرد الله عليهم بقوله «٢» أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.
والبروج: الحصون، والقلاع المشيدة: المرفوعة المطولة. قال قتادة: معناه في قصور محصنة.
وقال عكرمة: مجصصة، والمشيد المجصص. ويكفي العنكبوت فخرا وشرفا نسجها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الغار، والقصة في ذلك مشهورة في كتب التفاسير والسير وغيرها.
ونسجت أيضا على الغار الذي دخله عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم لقتل خالد بن نبيح الهذلي بالعرنة، فقتله، ثم احتمل رأسه ودخل في غار، فنسجت عليه العنكبوت. وجاء الطلب، فلم يجدوا شيئا، فانصرفوا راجعين. ثم خرج فسار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والرأس معه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قد أفلح الوجه»«٣» . قال: وجهك يا رسول الله، ووضع الرأس بين يديه وأخبره الخبر، فدفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم عصا كانت بيده وقال:«تخطر بهذه في الجنة» .
فكانت عنده إلى أن حضرته الوفاة، فأوصى أهله أن يدفنوها في كفنه ففعلوا. وكانت مدة غيبته ثمان عشرة ليلة.
وفي الحلية للحافظ أبي نعيم عن عطاء بن ميسرة، قال: نسجت العنكبوت مرتين على نبيين، على داود حين كان جالوت يطلبه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار.
وفي تاريخ الإمام الحافظ أبي القاسم بن عساكر، أن العنكبوت نسجت أيضا على عورة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، لما صلب عريانا في سنة إحدى وعشرين ومائة، فأقام مصلوبا أربع سنين، وكانوا وجهوه لغير القبلة، فدارت خشبته إلى القبلة،