تذكر به عليا على المنابر، وجعل مكان ذلك قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
الآية وقال «١» فيه كثير عزة:
ولّيت ولم تسبب عليا ولم تخف ... مريبا ولم تقبل مقالة مجرم «٢»
وصدّقت القول الفعال مع الذي ... أتيت فأمسى راضيا كلّ مسلم»
فما بين شرق الأرض والغرب كلها ... مناد ينادي من فصيح وأعجم
يقول أمير المؤمنين ظلمتني ... بأخذك ديناري وأخذك درهمي «٤»
فأربح بها من صفقة لمبايع ... وأكرم بها من بيعة ثم أكرم «٥»
وكتب إلى عماله أن لا يقيدوا مسجونا بقيد، فإنه يمنع من الصلاة. وكتب إلى عامله بالبصرة عدي بن ارطاة: عليك بأربع ليال من السنة، فإن الله تبارك وتعالى يفرغ فيها الرحمة إفراغا وهي أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين. وكتب إلى عماله: إذا دعتكم قدرتكم على الناس إلى ظلمهم، فاذكروا قدرة الله تعالى عليكم، ونفاد ما تأتون إليه وبقاء ما يأتي إليكم، من العذاب بسببهم. وذكر غير واحد عن محمد المرزوي قال: أخبرت أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه، لما دفن سليمان بن عبد الملك، وخرج من قبره سمع للأرض هدة أورجة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذه مراكب الخلافة قربت إليك يا أمير المؤمنين لتركبها! فقال:
ما لي ولها نحّوها عني وقربوا إلي دابتي! فقربت إليه فركبها، فجاء صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة، جريا على عادة الخلفاء قبله، فقال له: تنح عني، ما لي ولك إنما أنا رجل من المسلمين، ثم سار مختلطا بين الناس حتى دخل المسجد، فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس إني ابتليت بهذا الأمر من غير رأي مني فيه، ولا طلبة ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم غيري.
فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضيناك أميرنا باليمن والبركة. فلما سكتوا، حمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله تعالى خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاهه الله أمر دنيه وآخرته، وأصلحوا سرائركم يصلح الله علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت، واحسنوا له الإستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هاذم اللذات، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا.